قال: وكان الشيخ رسلان يعمل في صنعة النشر في الخشب، فذكروا عنه أنه بقي مدة عشرين سنة يأخذ ما يحصل له من أجرته ويعطيها لشيخه أبي عامر، وشيخه يطعمه، فتارة يجوع وتارة يشبع. وقيل عنه - وهو أشهر: إنه كان يقسم أجرته أثلاثا؛ ثلث ينفقه، وثلث يتصدق به، وثلث يكتسي به ولمصالحه. وكان أولا يتعبد بمسجد صغير داخل باب توما جوار بيته ودكان النشر، ثم انتقل إلى مسجد درب الحجر وقعد بالجانب الشرقي منه، وكان ينام هناك. وكان الشيخ أبو البيان في الجانب الغربي، وبقيا على ذلك زمانا يتعبدان، وكل واحد منهما بأصحابه في ناحية من المسجد. ثم خرج إلى ظاهر باب توما إلى مسجد خالد بن الوليد، وهو مكان خيمة خالد لما حاصر دمشق، وعبد الله فيه إلى أن توفي بعد الأربعين وخمسمائة.
وحكى الشيخ داود بن يحيى بن داود الحريري - وكان صدوقا - قال: حكى لي جماعة أن الشيخ رسلان لما شرع في بنيان المعبد، سير إليه الشيخ أبو البيان ذهبا مع بعض أصحابه حتى يصرفه في العمارة، فلما اجتمع به وعرض عليه الصرة قال الشيخ رسلان: ما يستحي شيخك يبعث لي هذا، وفي عباد الله من لو أشار إلى ما حوله لصار ذهبا وفضة! وأشار بيده، فرأى الرسول الطين ذهبا وفضة، وقال: عد إليه. فقال: والله ما بقيت أرجع، بل أكون في خدمتك إلى الموت. وانقطع عنده.
وقال الشيخ داود: كان الشيخ أحمد ابن الرفاعي قد دار النخيل الذي له، وعين على واحدة، وقال لأصحابه: إذا استوت هذه أهديناها للشيخ رسلان. فمر بها بعد مدة فوجد أكثر ما عليها قد راح، فسألهم فقالوا: لم يطلع إليها أحد، لكن في كل يوم يجيء إليها باز أشهب يأكل منها ولا يقرب غيرها، ثم يطير. فقال لهم: الباز الذي يجيء هو الشيخ رسلان، فلذلك يقال له: الباز الأشهب.
قال داود: لما احتضر الشيخ أبو عامر المؤدب سألوه أن يوصي إلى ولده عامر، فقال: عامر خراب، ورسلان عامر. فلما توفي قام الشيخ رسلان مقامه، ولم يجئ من عامر حاله.
قال شمس الدين ابن الجزري: صليت العصر في مسجد كان فيه الشيخ رسلان داخل باب توما، فقال لي يوسف المؤذن: يا سيدي، هذا البئر حفره