أحمد بن عبد الملك بن غطاس، وكانت الباطنية بأصبهان قد ألبسوه تاجاً، وجمعوا له الأموال، وقدموه؛ لأن أباه عبد الملك كان من علمائهم له أدب وبلاغة، وحسن خط، وسرعة جواب، مع عفة ونزاهة، وطلع ابنه أحمد هذا جاهلاً، قيل لابن الصباح صاحب الألموت: لماذا تعظم ابن غطاس على جهله؟ قال: لمكان أبيه، فإنه كان أستاذي.
وكان ابن غطاس قد استفحل أمره، واشتد بأسه، وقطعت أصحابه الطرق، وقتلوا الناس.
قال ابن الأثير: قتلوا خلقاً كثيراً لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا لهم على القرى والأملاك ضرائب يأخذونها، ليكفوا أذاهم عنها، فتعذر بذلك انتفاع الناس بأملاكهم، والدولة بالضياع، وتمشى لهم الأمر بالخلف الواقع، فلما صفا الوقت لمحمد لم يكن له همة سواهم، فبدأ بقلعة أصبهان، لتسلطها على سرير ملكه، فحاصرهم بنفسه، وصعد الجبل الذي يقابل القلعة، ونصب له التخت، واجتمع من أصبهان وأعمالها لقتالهم الأمم العظيمة، فأحاطوا بجبل القلعة، ودوره أربعة فراسخ، إلى أن تعذر عليهم القوت، وذلوا، فكتبوا فتيا: ما يقول السادة الفقهاء في قوم يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وإنما يخالفون في الإمام، هل يجوز للسلطان مهادنتهم وموادعتهم، وأن يقبل طاعتهم؟ فأجاب الفقهاء بالجواز، وتوقف بعض الفقهاء، فجمعوا للمناظرة، فقال أبو الحسن علي بن عبد الرحمن السنجاري الشافعي: يجب قتالهم، ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين، فإنهم يقال لهم: أخبرونا عن إمامكم إذا أباح لكم ما حظر الشرع أيقبلون منهم؟ فإنهم يقولون: نعم، وحينئذ تباح دماؤهم بالإجماع، وطالت المناظرة في ذلك.
ثم بعثوا السلطان يطلبون من يناظرهم، وعينوا أشخاصاً، منهم شيخ الحنفية القاضي أبو العلاء صاعد بن يحيى قاضي أصبهان، فصعدوا إليهم، وناظروهم، وعادوا كما صعدوا، وإنما كان قصدهم التعلل، فلج السلطان حينئذ في حصرهم، فأذعنوا بتسليم القلعة على أن يعطوا قلعة خالنجان، وهي على مرحلة من أصبهان، وقالوا: إنا نخاف على أرواحنا من العامة، ولا بد من