منصور بن بكران، فحدثاه ووقفا بين يديه وقالا: قد سر الخليفة بقرب مولانا وانبساطه، وأما النبيذ والزمر فلا ينبغي. فلم يقبل ولا امتنع، وقال: قل لأمير المؤمنين: أنا عبدك، وقد حصل وزيري أبو سعد في دارك، ووقف أمري بذلك فأريد أتسلمه. وأخذوا يدارونه حتى نزل في زبزبه، وأصعد إلى دار المملكة. واجتمع خلق من الناس على دجلة.
فلما كان من غد استدعى الخليفة المختص أبا غانم، وأبا الوفاء القائد وقال: إنا قد عرفنا ما جرى أمس، وإنه أمر زاد عن الحد وتناهى في القبح واحتملناه، وكان الأوْلى لجلال الدولة أن يتنزه عن فعله وينزهنا عن مثله - في كلام طويل - فإن سلك معنا الطريقة المثلى، وإلا فارقنا هذا البلد ودبرنا أمرنا.
فقبلا الأرض ومضيا إلى الملك، فركب بعد ذلك في زبزبه، وأشعر الخليفة بحضوره للاعتذار، فنزل إليه عميد الرؤساء وخدم، وقال: تذكر حضوري للخدمة واعتذاري. فرجع الجواب بقبول العذر. ثم مضى إلى الميدان ولعب بالصولجان.
ولم يحج ركب العراق لفساد الطريق، وورد من مصر كسوة الكعبة، وأموال للصدقة وصلات لأمير مكة.
وورد الخبر بوباء عظيم بالهند وغزنة وأصبهان وجرجان والري، وأن ذلك قد زاد على مجاري العادة. وخرج من أصبهان فيه أربعون ألف جنازة، ومات بالموصل بالجدري أربعة آلاف صبي.
وخرجت السنة ومملكة جلال الدولة مشتملة على ما بين الحضرة وواسط والبطيحة، وليس له من جميع ذلك إلا إقامة الاسم، وأما الوزارة فخالية عن آمر فيها.
وجاء إلى أصبهان مسعود بن محمود بن سُبكتكين فنهب البلد، وقتل عالما لا يحصى.
[سنة أربع وعشرين وأربعمائة]
فيها هُنئ الخليفة بالعافية من جدري أصابه، وكتم ذلك إلى أن عُوفي.
وكبس البرجمي دربا وأخذ أموالا. وتفاوض الناس أن جماعة من الجند خرجوا إليه وواكلوه، فخاف الناس ونقلوا الأموال إلى دار الخلافة، وواصلوا