ابن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس - يعني عبادهم - فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس، ما تسأل؟ إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى: يقول في كتابه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فأمة محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى الآخرون، قالت عائشة فلم قتلهم؟ قال: قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم.
و فيها توفي:
ن: الأشتر النخعي، واسمه مالك بن الحارث.
شريف كبير القدر في النخع، روى عن عمر، وخالد بن الوليد. وشهد اليرموك، وقلعت عينه يومئذ. وكان ممن ألب على عثمان، وسار إليه وأبلى شرا. وكان خطيبا بليغا فارسا. حضر صفين وتميز يومئذ، وكاد أن يظهر على معاوية، فحمل عليه أصحاب علي لما رأوا المصاحف على الأسنة، فوبخهم الأشتر، وما أمكنه مخالفة علي، وكف بقومه عن القتال.
قال عبد الله بن سلمة المرادي: نظر عمر بن الخطاب إلى الأشتر، وأنا عنده فصعد فيه عمر النظر، ثم صوبه، ثم قال: إن للمسلمين من هذا يوما عصيبا. ثم إن عليا لما انصرف من صفين أو بعدها، بعث الأشتر على مصر، فمات في الطريق مسموما، وكان علي يتبرم به ويكرهه، لأنه كان صعب المراس، فلما بلغه موته قال: للمنخرين والفم.