وفيها تواترت الأخبار بوصول هولاكو بجيشه إلى أذْربَيْجان يقصدون العراق، فوردت قُصّاد الدّيوان العزيز على نجم الدّين الباذرائيّ بدمشق بأن يتقدّم إلى الملك النّاصر بمصالحة الملك المُعزّ، وأن يتفقا على حرب التّتار، فأجاب النّاصر إلى ذلك، وردّ عسكره من غزّة فدخلوا دمشق.
وفيها عُزل بدرُ الدّين السنجاري عن قضاء ديار مصر، ووُلّي تاجُ الدّين ابن بنت الأعزّ.
وكانت للملك النّاصر داود ابن المعظَّم وديعة عند الخليفة، فتوقَّف في ردِّها واحتج بحُجج باردة، وجَرَت أمور قبيحة لم يُعهد مثلها من أمير فضلًا عن أمير المؤمنين، وكان الناصر داود قد حجّ، وعاد على العراق بسببها فأُنزل بالحلّة وأُجريَ عليه راتبٌ ضعيف، فعمل قصيدة تلطّف فيها وعدَّد خِدمه وخدم آبائه فما نفع، بل سيروا إليه من حاسبه على جميع ما اتّصل إليه من النّفقات والمأكول وما حملوه إليه من الهدايا في تردُّده، ثُم أوصلوا إليه شيئًا يسيرًا وقالوا: قد وصل إليك قيمة وديعتك فهاتِ خطَّك بوصوله، وأنَّك لم يبق لك شيء، فكتب كارهًا، ولم يصل إليه من قيمتها العُشْر، وسافر فاجتمع عليه جماعة من الأعراب وخدموه وأرادوا به التوصُّل إلى العيث والفساد فأبى عليهم، وأقام عندهم، فخاف من ذلك صاحب الشّام الملك النّاصر فأحضر الملك الظّاهر شاذي بن داود، وحلف له أنّه لا يؤذي والده، فسار شاذي إلى أبيه وعرَّفه، فقدم دمشق فوجد الملك النّاصر قد أوغر صدره عليه فنزل بتُربة والده بقاسيون، وشرط عليه أن لا يركب فرَسًا، ثمّ أذن له في ركوب الخيل بشرط أن لا يدخل البلد ولا يركب في الموكب، واستمرَّ ذلك إلى آخر السّنة.
وفيها انهدمت خانقاه الطاحون بظاهر دمشق، فمات تحت الهدم شيخها بدر الدّين المراغيّ وآخر.
[سنة خمس وخمسين وستمائة]
في ربيع الأول مات الملك المُعزّ أيْبك التُّركمانيّ صاحب مصر، قَتَلتْه زوجته شجر الُّدّر، وسلطنوا بعده ولده الملك المنصوري عليّ بن أيْبك.