مائة وثلاثة وخمسون نفسًا، وهرب أبو الكرم الوالي، وحاجب الباب إلى دار خاتون، ورمى أعوان الشحنة الأبواب الحديد التي على السور، ونقبوا فيه فتحات، وأشرفت بغداد على النهب، فنادى الشحنة: لا ينزل أحدٌ في دار أحد، ولا يؤخذ لأحدٍ شيء، والسلطان جائي بين يدي الخليفة، وعلى كتفه الغاشية، فسكن الناس، وطلب السلطان من الخليفة نظرا الخادم فنفذ، أطلقه، وسار بالخليفة إلى داود، إلى مراغة.
وقال ابن الجوزي: وزلزلت بغداد مرارًا كثيرة، ودامت كل يومٍ خمس أو ست مرات إلى ليلة الثلاثاء، فلم تزل الأرض تميد من نصف الليل إلى الفجر، والناس يستغيثون.
وتصرف عمال السلطان في بغداد، وعوقوا قرى ولي العهد، وختموا على غلاتها، فافتك ذلك منهم بستمائة دينار، فأطلقوها، وتفاقم الأمر، وانقطع خبر العسكر، واستسلم الناس، ثم أرسل سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويقبل بين يديه، ويسأله العفو والصفح، ويتنصل غاية التنصل، فقد ظهرت عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلًا عن المشاهدة من العواصف والبروق والزلازل، ودوام ذلك عشرين يومًا، وتشويش العساكر وانقلاب البلدان، ولقد خفت على نفسي من جانب الله وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله، فالله الله بتلافي أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه، وتسلم إليه دبيسًا ليحكم فيه، وتحمل الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء، كما جرت عادتنا وعادة آبائنا، فنفذ مسعود بهذه المكاتبة مع الوزير، ونظر، فدخلا على الخليفة، واستأذنا لمسعود، فدخل وقبل الأرض، ووقف يسأل العفو، فقال: قد عفي عن ذنبك، فاسكن وطب نفسًا.