للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذ خدمت الشيخ عبد الله ما رأيته استند إلى شيء، ولا سعل، ولا تنحنح، ولا بصق.

وقال الشيخ الفقيه: حضرت الشيخ عبد الله مرتين، وسأله ابن خاله حُميد بن بَرق، فقال: زوجتي حامل، إن جاءت بولد ما أسميه؟ قال: سمِّ الواحد: سليمان، والآخر: داود، فولدت اثنين توأما. وقال له ابنه محمد: امرأتي حامل إن جاءت بولد ما أسمّيه؟ قال: سمِّ الأول: عبد الله، والثاني: عبد الرحمن.

وعن سعيد المارديني، قال: جاء رجالٌ من بعلبكّ إلى الشيخ، فقالوا: جاءت الفرنج، قال: فمسك لحيته وقال: هذا الشيخ النحس ما قعوده هاهنا؟ فردت الفرنج.

وقال أبو المظفر سِبط ابن الجوزي في ترجمة الشيخ عبد الله اليونيني (١): كان صاحب رياضات ومُجاهدات وكرامات وإشارات. لم يقم لأحدٍ تعظيماً لله؛ وكان يقول: لا ينبغي القيام لغير الله. صحِبتُه مدة، وكان لا يدّخر شيئاً، ولا يمسّ ديناراً ولا دِرهماً، وما لبس طول عمره سوى الثوب الخام، وقَلَنْسُوة من جِلد ماعز تساوي نصف درهم، وفي الشتاء يبعث له بعض أصحابه فروة، فيلبسها، ثم يؤثر بها في البرد. قال لي يوماً ببعلبكّ: يا سيد أنا أبقى أياماً في هذه الزاوية ما آكل شيئا، فقلت: أنت صاحب القبول كيف تجوع؟ قال: لأنّ أهل بعلبكّ يتّكل بعضهم على بعض، فأجوع أنا. فحدّثني خادمه عبد الصمد قال: كان يأخذ ورق اللوز يفركه ويستفّه.

وكان الأمجد يزوره، فكان الشيخ يهينه ويقول: يا مُجَيد أنت تظلم وتفعل، وهو يعتذر إليه.

وأظهر العادل قراطيس سوداً، فقال الشيخ: يا مسلمون انظروا إلى هذا الفاعل الصّانع يفسد على الناس معاملاتهم. فبلغ العادل ذلك، فأبطلها. سافرتُ إلى العراق سنة أربع وحججت، فصعدت على عرفات، وإذا بالشيخ عبد الله قاعدٌ مستقبل القبلة، فسلّمت عليه، فرحّب بي وسألني عن طريقي، وقعدت عنده إلى الغياب، ثم قلت: ما نقوم نمضي إلى المزدلفة؟ فقال: اسبقني؛ فلي رفاق. فأتيت مزدلفة ومِنى، فدخلت مسجد الخِيف فإذا بالشيخ توبة، فسلّم عليّ،


(١) مرآة الزمان ٨/ ٦١٢.