وأما أبو الحسن المدائني فذكر عن جماعة قالوا: كتب أبو مسلم: أما بعد، فإني اتخذت رجلاً إماماً ودليلاً على ما افترضه الله وكان في محلة العلم نازلاً فاستجهلني بالقرآن، فحرفه عن مواضعه، طمعاً في قليل قد نعاه الله إلى خلقه وكان كالذي دلي بغرور، وأمرني أن أجرد السيف وأرفع الرحمة، ففعلت توطئة لسلطانكم، ثم استنقذني الله بالتوبة، فإن يعف عني فقدماً عرف به ونسب إليه، وإن يعاقبني فبما قدمت يداي.
ثم سار يريد خراسان مشاقاً مراغماً، فأمر المنصور لمن بالحضرة من آل هاشم أن يكتبوا إلى أبي مسلم يعظمون الأمر ويأمرونه بلزوم الطاعة وأن يرجع إلى مولاه، وقال المنصور لرسوله إلى أبي مسلم، وهو أبو حميد المروروذي: كلمه باللين ما يمكن ومَنِّهْ وعرفه بحسن نيتي وتلطف، فإن يئست منه فقل له: قال: والله لو خضت البحر لخاضه وراءك، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك، فقدم الرسول على أبي مسلم ولحقه بحلوان، فاستشار أبو مسلم خاصته، فقالوا: احذره، فلما طلب الرسول الجواب قال: ارجع إلى صاحبك فلست آتيه وقد عزمت على خلافه، قال: لا تفعل، لا تفعل، فلما آيسه بلغه قول المنصور، فوجم لها وأطرق منكراً، ثم قال: قم، وانكسر لذلك القول وارتاع.
وكان المنصور قد كتب إلى نائب أبي مسلم على خراسان فاستماله، وقال: لك إمرة خراسان، فكتب نائب خراسان أبو داود خالد بن إبراهيم إلى أبي مسلم يقول: إنا لم نقم لمعصية خلفاء الله وأهل البيت فلا تخالفن إمامك، فوافاه كتابه على تلك الحال فزاده رعباً وهماً، ثم أرسل من يثق به من أمرائه إلى المنصور، فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يسر، واحترمه المنصور، وقال: اصرفه عن وجهه ولك إمرة خراسان، فرجع وقال لأبي مسلم: طيب قلبك لم أر مكروها إني رأيتهم معظمين لحقك، فارجع