ومن فضائله، قال سبط ابن الجوزي: إنه كان له عجائز بدمشق وحلب، وكان يخيط الكوافر ويعمل السكاكر وتبيعها له العجائز سرًا، فكان يوم يصوم يفطر على أثمانها. حكى لي شرف الدين يعقوب بن المعتمد أن في دارهم سكرة على حرستان من عمل نور الدين يتبركون بها، وهي باقية إلى سنة خمسين وستمائة. ومنها ما حكاه لي الشيخ أبو عمر قال: كان نور الدين يزور والدي في المدرسة الصغيرة المجاورة للدير، ونور الدين بنى هذه المدرسة، والمصنع، والفرن؛ فجاء لزيارة والدي، وكان في سقف المسجد خشبة مكسورة، فقال له بعض الجماعة: لو جددت السقف، فنظر إلى الخشبة وسكت، فلما كان من الغد جاء معماره ومعه خشبة، فزرقها موضع المكسورة ومضى. فقال له بعض الحاضرين: فاكرتنا في كشف سقف. فقال: لا والله، وإنما هذا الشيخ أحمد رجل صالح، وإنما أزوره لأنتفع به، وما أردت أن أزخرف له المسجد. ومنها ما حكاه لي نجم الدين الحسن بن سلام قال: لما ملك الأشرف دمشق، وعمر في القلعة مسجد أبي الدرداء، قال لي: يا نجم الدين، كيف ترى هذا المسجد؟ قد عمرته وأفردته عن الدور، وما صلى فيه أحد من زمان أبي الدرداء. فقلت: الله الله يا مولانا، ما زال نور الدين منذ ملك دمشق يصلي فيه الصلوات الخمس.
حدثني والدي، وكان من أكابر عدول دمشق، أن الفرنج لما نزلت على دمياط بعد موت أسد الدين، وضايقوها، أشرفت على الأخذ، فأقام نور الدين عشرين يومًا صائمًا، لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، وكان مهيبًا لا يتجاسر أحد أن يخاطبه في ذلك، وكان له إمام ضرير اسمه يحيى، وكان يقرأ عليه القرآن، فاجتمع إليه خواص نور الدين، فكلموه في ذلك، فلما كان تلك الليلة رأى الشيخ يحيى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له: يا يحيى بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط. فقلت: يا رسول الله، ربما لا يصدقني! فقال: