ولد بالقصر بالقاهرة سنة ستٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع من عمر بن طبرزد. وسمع صحيح البخاري من أبي عبد الله ابن الزبيدي. روى عنه الشهاب القوصي، وغيره. وحدثنا عنه أبو الحسين اليونيني بأربعين حديثاً خرجت له.
أعطاه أبوه أول شيء القدس، ثم أعطاه حران والرها. وجهزه أخوه الملك المعظم بالخيل والمماليك. وسار وتنقلت به الأحوال، وجرت له أمورٌ أشرنا إلى كبارها في الحوادث. وكسر المواصلة، وكسر الخوارزمية والروم. ولقب شاه أرمن لتملكه مدينة خلاط، وهي قصبة أرمينية. وتملك دمشق سنة ستٍ وعشرين وأخذها من الناصر داود ابن المعظم، فأحسن إلى أهلها وعدل فيهم وأزال عنهم بعض الجور وأحبوه. وكان فيه دينٌ، وخشيةٌ، وعفةٌ في الجملة، وسخاءٌ مفرط حتى لقد قال ابن واصل: كان يطلق الأموال الجليلة ولم يسمع أن أحداً من الملوك والعظماء - بعد آل البرمك - فعل فعله في العطاء. ومن سعادته أنه عاد أخوه الأوحد بخلاط، فتماثل ودخل الحمام، فأراد الأشرف الرجوع إلى حران، فقال له طبيب الأوحد: اصبر؛ فإن الأوحد ميتٌ. فأقام ليلةً ومات الأوحد، فاستولى على مملكة خلاط جميعها.
قلت: إلا أنه كان منهمكاً في الخمر والملاهي. وكان مليح الشكل، حلو الشمائل، وافر الشجاعة، يقال: إنه لم تكسر له رايةٌ قط. وكان يحب الفقراء والصالحين، ويتواضع لهم، ويزورهم ويصلهم، ويجيز الشعراء. وكان في رمضان لا يغلق باب القلعة، ويخرج منها صحون الحلواء إلى أماكن الفقراء. وكان ذكياً، فطناً، يشارك في الصنائع، ومحاسنه كثيرةٌ، الله يسامحه.
قال أبو المظفر: وكان يحضر الملك الأشرف مجالسي بخلاط وحران ودمشق، وكان عفيفاً. ولما كنت عنده بخلاط قال لي: والله ما مددت عيني إلى حريم أحدٍ ذكرٍ ولا أنثى. ولقد جاءتني عجوزٌ من عند بيت شاه أرمن صاحب خلاط بورقةٍ، فذكرت أن الحاجب علياً قد أخذ ضيعتها، فكتبت بإطلاقها، فقالت العجوز: هي تسأل الحضور بين يديك، فعندها سرٌّ، فقلت: