في البلد، وشهد الصناع بصحته، تركته وبكيت، فقال لي إنسان: على أيش تبكي؟ فقلت: على زمان ضيعته في فكري في عملي هذا كيف ما كان فيما هو أهم منه.
وقال لنا صاحبنا شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه: حكى لي زين الدين أبو الحرم بن محمد بن عنيزة الدمشقي الحريري قال: كان أبي مجاور الشيخ علي الحريري بدكان على رأس درب الصقيل، وكان قد وقف على الشيخ علي دراهم كثيرة، فحبسوه، ودخل الحبس وما معه درهم، فبات بلا عشاء، فلما كان بكرةً صلى بالمحبسين، وقعد يذكر بهم إلى ساعتين من النهار، وبقي كل من يجيئه شيء من أهله من المأكول يشيله، فلما قارب وقت الظهر أمرهم بمد ما جاءهم، فأكل جميع المحبسين وفضل منه، ثم صلى بهم الظهر، وأمرهم أن يناموا ويستريحوا، ثم صلى بهم العصر، وقعد يذكر بهم إلى المغرب، وكلما جاءهم شيء رفعه، ثم مدوه بعد المغرب مع فضلة الغداء، فأكلوا وفضل شيء كثير. فلما كان في ثالث يوم أمرهم: من عليه أقل من مائة درهم أن يجبوا له من بينهم، فخرج منهم جماعة وشرعوا في خلاص الباقين- يعني الذين خرجوا - وأقام ستة أشهر، فخرج خلق كثير؛ ثم إنهم جبوا له وأخرجوه، وعاد إلى دكانه. وصار أولئك المحبسون فيما بعد يأتونه العصر، ويطلعون به إلى عند قبر الشيخ رسلان فيذكر بهم. وربما يطلعون إلى الجسر الغيدي، وكل يوم يتجدد له أصحاب إلى أن آل أمره إلى ما آل.
وقال الجزري أيضاً: حدثني عماد الدين يحيى بن أحمد الحسني البصروي، ومؤيد الدين علي ابن خطيب عقرباء أن جمال الدين خطيب عقرباء جد المؤيد، والفلك المسيري الوزير، وابن سلام، طلعوا إلى قرية للفلك بنوى فعزموا على زيارة الحريري ببسر، فقال أحدهم: إن كان رجلاً صالحاً فعند وصولنا يطعمنا بسيسة، وقال الآخر: ويطعمنا بطيخا أخضر، وقال الآخر: ويحضر لنا فقاعاً بثلج. فأتوه فتلقاهم أحسن ملتقى، وأحضر البسيسة، وأشار إلى من اشتهاها أن كل، وأحضر البطيخ وأشار إلى الآخر أن كل. ثم نظر إلى الذي اشتهى الفقاع وقال: كان عندي باب البريد. ثم دخل فقير وعلى رأسه دست فقاع وثلج فقال: اشرب بسم الله.
وذكر المولى بهاء الدين يوسف بن أحمد ابن العجمي- فيما حدثني به