وطال شعري حتى استرسل، قال: فإني لكذلك، إذا دعي بي، فمضوا بي إلى موضع، فقيل: سلم على أمير المؤمنين - وقد عميت - فسلمت، فقال لي: أي أمير المؤمنين أنا؟ قلت: المهدي، قال: رحم الله المهدي، قلت: فالهادي، قال: رحم الله الهادي، قلت: فالرشيد، قال: نعم، سل حاجتك، قلت: المجاورة بمكة، قال: نفعل، فهل غير هذا؟ قلت: ما بقي في مستمتع لشيء ولا بلاغ، قال: فراشدا، فخرجت إلى مكة، قال ابنه: فلم تطل أيامه بها حتى مات.
قلت: مات في سنة اثنتين وثمانين ومائة.
وعن يعقوب الوزير قال: كان المهدي لا يحب النبيذ، لكن يتفرج على غلمانه، وهم يشربون، فأعظه في سقيهم النبيذ وفي الطرب وأقول: ما على ذا استوزرتني، أبعد الصلوات الخمس في الجامع يشرب النبيذ عندك، وتسمع السماع؟! فكان يقول: قد سمعت عبد الله بن جعفر، فأقول: ليس هذا من حسناته.
وقال عبيد الله بن يعقوب: كان أبي قد ألح على المهدي في حسمه عن السماع حتى ضيق عليه، وكان أبي قد ضجر من الوزارة وتاب ونوى الترك، قال: فكنت أقول للمهدي: والله لخمر أشربه وأتوب، أحب إلي من الوزارة، وإني لأركب إليك، فأتمنى يدا خاطئة تصيبني، فاعفني وول من شئت، فإني أحب أن أسلم عليك أنا وولدي فما أتفرغ، وليتني أمور الناس، وإعطاء الجند، وليس دنياك عوضا عن آخرتي، قال: فكان يقول: اللهم غفرا، اللهم أصلح قلبه.
وقال قائل:
فدع عنك يعقوب بن داود جانبا وأقبل على صهباء طيبة النشر
ولما حبسه المهدي عزل أصحابه، وسجن أهل بيته.
وفيها سار موسى الهادي إلى جرجان، وجعل على قضاء عسكره القاضي أبا يوسف.
وفيها تحول المهدي إلى قصر السلام، وضرب بها الدنانير، وأمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية، ومن اليمن ومكة إلى الحضرة، بغالا