ترمي أنفسها من الطبقات، واشتعلوا، فأحرق المسلمون الستائر والعُدَد، فانكسرت صولتهم، ثم اجتمعت همتهم نوبةً، وعملوا كبشًا هائلا، رأسه قناطير من الحديد لينطحوا به السور فينهدم، فلما سحبوه وقربوا من السور ساخ في الرمل لثقله، وعجزوا عن تخليصه، وكان المسلمون في عكا في مرض شديد وجوع قد ملوا من القتال، ما يحملهم سوى الإيمان بالله تعالى. وقد هدمت الفرنج برجًا ومئذنة، ثم سد المسلمون ذلك في الليل ووثقوه، وكان السّلطان يكون أول راكب وآخر نازل.
قلت: ولعله وجبت له الجنة برباطه هذين العامين.
ذكر العماد الكاتب أنه حزر ما قُتل من الفرنج في مدة الحرب على عكا، فكان أكثر من مائة ألف.
ومن كتاب إلى بغداد: قد بُلي الإسلام منهم بقومٍ استطابوا الموت، واستجابوا الصوت، وفارقوا الأوطان والأوطار، والأهل والديار، طاعة لقسِّيسهم وغيرة لمعبدهم وحمية لمعتقدهم، وتهالكًا على مقبرتهم، وتحرّقًا على قمامتهم، حتى خرجت النساء من بلادهن متبرزات، وسرّن في البحر متجهزات، وكانت منهن ملكة استتبعت خمس مائة مقاتل، والتزمت بمؤونتهم، فأخذت برجالها بقرب الإسكندرية. ومنهن ملكة وصلت مع ملك الألمان، وذوات المقانع من الفرنج مقنعات دارعات، يحملن الطوارق والقنطاريات. وقد وُجدت في الوقعات التي جرت عدة منهن بين القتلى. وما عُرفن حتى سُلبن. والبابا الذي برومية قد حرّم عليهم لذاتهم وكل مَن لا يتوجه إلى القدس فهو محرم، لا منكح له ولا مطعم، فلهذا يتهافتون على الورود، ويتهالكون على يومهم الموعود. وقال لهم: إني واصل في الربيع، جامع على الاستنفار شمل الجميع، وإذا نهض هذا اللعين فلا يقعد عنه أحد، ويصل معه كل من يقول للَّه تعالى ولد.
ومن كتاب فاضلي إلى السّلطان: فليس إلاّ الدعاء والتجلد للقضاء، فلا بد من قدر مفعول، ودعاء مقبول.
نحن الذين إذا علوا لم يبطروا يوم الهياج وإن عُلوا لم يضجروا