دمياط، فأقبلوا إليها من كل فجِّ عميق، وأضحت دارَ هجرتهم، وخافَ الناس كافةً من الفرنج.
وأشرف الإسلام على خطَة خسف؛ أقبل التتار من المشرق، وأقبل الفرنج من المغرب، وأراد أهل مصر الجلاء عنها فمنعهم الكامل، وتابع كتبه على أخويه المعظم والأشرف يحثهما على الحضور، وكان الأشرف مشغولاً بما دهمهُ من اختلاف الكلمة عليه ببلاده عند موت القاهر صاحب الموصل. وبقي الكاملُ مدة طويلة مرابطاً في مقابلة الفرنج إلى سنة ثمان عشرة، فنجده الأشرف. وكان الفرنج قد ساروا من دمياط وقصدوا الكامل، ونزلوا مقابله وبينهما بحر أشمون، وهو خليج من النيل، وبقوا يرمون بالمنجنيق والجَرْخ إلى عسكر المسلمين، وقد تَيَقّنوا هُم وكلُّ النَّاس أنهم يملكون الدّيار المصرية.
وأمّا الكامل فتلقى الأشرف وسُرَّ بقدومه، وسار المُعَظَّم فقصدَ دمياط، واتفق الأشرفُ والكاملُ على قتال الفرنج، وتقربوا، وتقدمت شواني المسلمين، فقابلت شواني الفرنج، وأخذوا للفرنج ثلاث قطعٍ بما فيها، فقويت النّفوس، وترددت الرسل في الصلح، وبذل المسلمون لهم تسليم بيت المقدس، وعَسقلان، وطبريّة، وصَيدا، وجَبَلَة، واللاذقية، وجميع ما فتحهُ صلاح الدين، رحمه الله، سوى الكرك، فلم يرضوا، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضاً عن تخريب بيت المقدس ليعمروه بها، فلم يتم أمر، وقالوا: لا بد من الكرك. فاضطر المسلمون إلى قتالهم، وكان الفرنج لاقتدارهم في نفوسهم لم يستصحبوا معهم ما يقوتهم عدة أيام؛ ظناً منهم أنّ العساكر الإسلامية لا تقوم لهم، وأنَّ القرى تبقى بأيديهم وتكفيهم. فعبر طائفةٌ من المسلمين إلى الأرض التي عليها الفرنج ففجّروا النيل، فركب أكثر تلك الأرض، ولم يبقَ للفرنج جهةٌ يسلكونها غير جهةٍ واحدة ضيقة، فنصب الكامل الجسور على النيل، وعبرت العساكر، فملكوا الطريق التي يسلكها الفرنج إلى دمياط، ولم يبق لهم خلاص، ووصل إليهم مركب كبير وحوله عدّة حراقات، فوقع عليها شواني المسلمين، وظفرَ