للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقول إني ما أتيت شيئًا بغير علم قط منذ عقلت، فما الفائدة في الاستلقاء؟ قال: أتعبنا أنفسنا اليوم، وهذا ثغر من الثغور، وخشيت أن يحدث حدث من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة، فإن غافصنا (١) العدو كان منا حراك.

وكان يركب إلى الرمي كثيرًا، فما أعلمني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين، فكان يصيب الهدف في كل ذلك. وكان لا يسبق. وسمعته يقول: ما أكلت كراثًا قط ولا القنابرى (٢). قلت: ولم ذاك؟ قال: كرهت أن أؤذي من معي من نتنهما. قلت: فكذلك البصل النيء؟ قال: نعم.

وسمعته يقول: ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه.

وقال له بعض أصحابه: يقولون: إنك تناولت فلانًا. قال: سبحان الله، ما ذكرت أحدًا بسوء، إلا أن أقول ساهيًا.

قال: وكان لأبي عبد الله غريم قطع عليه مالا كثيرًا. فبلغه أنه قدم آمل ونحن عنده بفربر، فقلنا له: ينبغي أن تعبر وتأخذه بمالك. فقال: ليس لنا أن نروعه. ثم بلغ غريمه فخرج إلى خوارزم، فقلنا: ينبغي أن تقول لأبي سلمة الكشاني عامل آمل ليكتب إلى خوارزم في أخذه. فقال: إن أخذت منهم كتابًا طمعوا مني في كتاب ولست أبيع ديني بدنياي. فجهدنا، فلم يأخذ حتى كلمنا السلطان عن غير أمره، فكتب إلى والي خوارزم. فلما بلغ أبا عبد الله ذلك وجد وجدًا شديدًا، وقال: لا تكونوا أشفق علي من نفسي. وكتب كتابًا وأردف تلك الكتب بكتب. وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرض لغريمه، فرجع غريمه، وقصد ناحية مرو، فاجتمع التجار، وأخبر السلطان، فأراد التشديد على الغريم، فكره ذلك أبو عبد الله فصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئًا يسيرًا. وكان المال خمسة وعشرين ألفًا. ولم يصل من ذلك المال إلى درهم، ولا إلى أكثر منه.

وسمعت أبا عبد الله يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه. قلت: فمن يتولى أمرك في أسفارك؟ قال: كنت أكفى ذلك.

وقال لي يومًا بفربر: بلغني أن نخاسًا قدم بجَوارٍ، فتصير معي؟ قلت:


(١) غافصنا: فاجأنا وأخذنا على غرة.
(٢) القنابرى: بقلة الغملول.