بعد عشاء الآخرة آيات الحرس لا يكاد يتركها. وسمعت أنه كان إذا دخل منزله قرأ آية الكرسي وعوذ بكلمات، وأشار بيده إلى ما حوله من الدور والجبل يحوطها بذلك، ولا ينام إلا على وضوء، وإن أحدث توضأ، وإذا أوى إلى فراشه قرأ الحمد وآية الكرسي والواقعة وتبارك و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وربما قرأ ياسين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر أربعاً وثلاثين، ويقول: اللهم أسلمت نفسي إليك. . . الحديث، وغير ذلك، وكان يقول بين سنة الفجر والفرض أربعين مرة: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت.
وسمعت آسية بنت محمد ابنة بنته تقول: كان سيدي لا يترك الغسل يوم الجمعة ولا يكاد يومئذ يخرج إلا ومعه شيء يتصدق به، رحمه الله تعالى.
سمعت خالي الإمام موفق الدين يقول: لما قدمنا من أرض بيت المقدس كنا نتردد مع أخي نسمع درس القاضي ابن عصرون في الخلاف ثم إننا انقطعنا، فلقي القاضي لأخي يوماً، فقال: لم انقطعت عن الاشتغال؟ فقال له أخي: قالوا: إنك أشعري. فقال: ما أنا أشعري، ولكن لو اشتغلت علي سنة ما كان أحد يكون مثلك، أو قال: كنت تصير إماماً.
قال الضياء: وكان رحمه الله يحفظ الخرقي ويكتبه من حفظه. وكان قد جمع الله له معرفة الفقه والفرائض والنحو، مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس. وكان يحمل هم الأهل والأصحاب، ومن سافر منهم يتفقد أهاليهم، ويدعو للمسافرين، ويقوم بمصالح الناس، وكان الناس يأتون إليه في الخصومات والقضايا، فيصلح بينهم، ويتفقد الأشياء النافعة كالنهر، والمصانع والسقاية، وكانت له هيبة في القلوب. وسألت عنه الإمام موفق الدين، فقال فيه: أخي وشيخنا ربانا وعلمنا وحرص علينا، وكان للجماعة كوالدهم يحرص عليهم، ويقوم بمصالحهم، ومن غاب عن أهله قام هو بهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو الذي سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا من بغداد، زوجنا، وبنى لنا دورنا الخارجة عن الدير. وكان مسارعاً إلى الخروج في الغزوات قل ما يتخلف عن غزاة. سمعت ولده أبا محمد عبد الله يقول: إن الشيخ جاءته امرأة، فشكت إليه أن أخاها حبس، وأوذي، فسقط مغشياً عليه. ولما جرى للحافظ عبد الغني مع أهل البدع وفعلوا ما فعلوا، جاءه