وسمعت آسية بنت محمد، وهي التي كانت تلازمه في مرضه، تقول: إنه قلل الأكل قبل موته في مرضه حتى عاد كالعود. وقالت: مات وهو عاقد على أصابعه، يعني يسبح، وسمعتها تحدث عن زوجته أم عبد الرحمن، قالت: كان يقوم بالليل فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به رجله، فيذهب عنه النوم، وكان كثير الصيام سفراً وحضراً.
وحدثني ولده عبد الله: أنه في آخر عمره سرد الصوم، فلامه أهله، فقال: إنما أصوم أغتنم أيامي، لأني إن ضعفت، عجزت عن الصوم، وإن مت، انقطع عملي. وكان لا يكاد يسمع بجنازة إلا حضرها قريبة أو بعيدة، ولا مريضاً إلا عاده، لا يكاد يسمع بجهاد إلا خرج فيه. وكان يقرأ في كل ليلة سبعاً من القرآن مرتلاً في الصلاة، ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر، وإذا صلى الفجر وفرغ من الدعاء والتسبيح قرأ آيات الحرس وياسين والواقعة وتبارك، وكان قد كتب في ذلك كراسة وهي معلقة في المحراب، ربما قرأ فيها خوفاً من النعاس، ثم يقرئ ويلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى صلاة طويلة.
وسمعت ولده أبا محمد عبد الله يقول: كان يسجد سجدتين طويلتين: إحداهما في الليل والأخرى في النهار يطيل فيهما السجود، ويصلى بعد أذان الظهر قبل سنتها في كل يوم ركعتين يقرأ في الأولى أول المؤمنين، وفي الثاني آخر الفرقان من عقيب سجدتها، وكان يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات يقرأ فيهن السجدة وياسين وتبارك والدخان، ويصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح ويطيلها، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وحكى ولده عن أهله: أنه كان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة.
ثم أورد عنه أوراداً كثيرة من الأذكار.
قال الضياء: وكان يزور المقابر كل جمعة بعد العصر، ولا يكاد يأتي إلا ومعه شيء من الشيح في مئزره أو شيء من نبات الأرض، وكان يقرأ كل ليلة