وقال ابن الجوزي: وأيضاً فما كان يلزمه أن يقول لها ذلك على الفور، فكان له أن يتمادى إلى قبل الموت.
قلت: ولو قال لها أنت طالق ثلاثاً، وعنى الاستفهام، لم تطلق. ولو قال: طالق ثلاثاً، ونوى به الطلق لا الطلاق لم تطلق أيضاً في الباطن.
وجواب آخر على قاعدة من يراعي سبب اليمين ونية الحالف أنه ليس عليه أن يقول لها كقولها، فإن نيته كانت أنها إذا آذته بكلام أن يقول لها ما يؤذيها، وهذه ما كانت تتأذى بالطلاق لأنها ناشزة مضاجرة، ولأن الحالف عنده هذه الكلمة مستثناة بقرينة الحال من عموم إطلاقه، كقوله تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} فخرج من هذا العموم أشياء بالضرورة، وهذا فصيح في كلام العرب سائغ، لأن الحالف لم يرده، ولا قصد إدخاله في العموم أصلاً، كما لم يقصد إدخال كلمة الكفر لو كفرت فقالت له: أنت ولد الله - تعالى الله - أو سبت الأنبياء. فما كان يحنث بسكوته عن مثل قولها.
وجواب آخر على مذهب الظاهرية كداود، وابن حزم، ومذهب سائر الشيعة: أن من حلف على شيء بالطلاق لا يلزمه طلاق ولا كفارة عليه في حلفه، وهو قول لطاوس.
وذهب شيخنا ابن تيمية، وهو من أهل الاجتهاد لاجتماع الشرائط فيه: أن الحالف على شيء بالطلاق لم تطلق منه امرأته بهذه اليمين، سواء حنث أو بر. ولكن إذا حنث في يمينه بالطلاق مرة قال: يكفر كفارة يمين. وقال: إن كان قصد الحالف حضاً أو منعاً ولم يرد الطلاق فهي يمين. وإن قصد بقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، شرطاً وجزاءاً فإنها تطلق ولا بد. وكما إذا قال لها: إن أبريتني من الصداق فأنت طالق، وإن زنيت فأنت طالق. وإذا فرغ الشهر فأنت طالق؛ فإنها تطلق منه بالإبراء، والزنا، وفراغ الشهر، ونحو ذلك. لكن ما علمنا أحداً سبقه إلى هذا التقسيم ولا إلى القول بالكفارة؛ مع أن ابن حزم نقل في كتاب الإجماع له خلافاً في الحالف بالعتاق والطلاق، هل يكفر كفارة يمين أم لا؟ ولكنه لم يسم من قال بالكفارة. والله أعلم.
والذي عرفنا من مذهب غير واحد من السلف القول بالكفارة في الحلف