ثم صاح وبكى. بكاء شديدا، وطرح وجهه على الأرض زمانا، ثم رفع رأسه، ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم، سبحان من هذا كلامه. فصبرت ساعة، ثم سلمت عليه، فرد وقال: متى أتيت؟
فقلت: الساعة. ثم قلت: أرى يا سيدنا في وجهك أثر غيظ. فقال: لا يا أبا الفتح، بل أنشدت شيئا من كلام المخلوق، وتلوت شيئا من كلام الخالق، فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه، وقوة يقينه.
وبالإسناد إلى السلفي: سمعتُ أبا بكر التبريزي اللغوي يقول: أفضل من رأيته ممن قرأت عليه أبو العلاء، وسمعتُ أبا المكارم بأبهر، وكان من أفراد الزمان، ثقة مالكي المذهب، قال: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا، وختم في أسبوع واحد عند القبر مائتا ختمة.
وبه قال السلفي: هذا القدر الذي يمكن إيراده هنا على وجه الاختصار، مدحا وقدحا، وتقريظا، وذما، وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر، والأدب الباهر، والمعرفة بالنسب، وأيام العرب. قرأ القرآن بروايات، وسمع الحديث بالشام على ثقات، وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد، وإحياء طرق الفتوة والمروءة شعر كثير، والمشكل منه فله على زعمه تفسير.
قال القفطي: ذكر أسماء الكتب التي صنفها. قال أبو العلاء: لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة واجتهدت أن أتوفر على تسبيح الله وتحميده، إلا أن أضطر إلى غير ذلك، فأمليت أشياء تولى نسخها الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم، أحسن الله توفيقه، ألزمني بذلك حقوقا جمة، لأنه أفنى زمنه ولم يأخذ عما صنع ثمنه، وهي على ضروب مختلفة، فمنها ما هو في الزهد والعظات والتمجيد. فمن ذلك: كتاب الفصول والغايات وهو موضوع على حروف المعجم، ومقداره مائة كراسة، ومنها كتاب أنشئ في ذكر غريب