ولم يكن بقي مع محمد غير ثلاثمائة فارس، فقدم إليه أخوه سنجر وانضم إليهما عسكر كثير، وتضرر بالعسكر أهل خراسان.
وأما السلطان بركياروق، فصار جيشه قريباً من مائة ألف، فغلت الأسعار، واستأذنته الأمراء في التفرق للغلاء، فبقي في عسكر قليل، فبلغ ذلك أخويه، فقصداه وطويا المراحل، فتقهقر ونقصت هيبته، وقصد همذان، فبلغه أن إياز متوليها قد راسل محمداً ليكون معه، فسار إلى خوزستان، ثم خرج إلى حلوان. وأما إياز فلم يقبله محمد، فخاف وهرب إلى عند بركياروق، فدخلت أصحاب محمد، ونهبوا حواصله، فيقال إنهم أخذوا له خمسمائة فرس عربية، وتكامل مع بركياروق خمسة آلاف ضعفاء، قد ذهبت خيامهم وثقلهم، فقدم بهم بغداد، وتمرض، وبعث يشكو قلة المال إلى الديوان، فتقرر الأمر على خمسين ألف دينار حملت إليه، ومد أصحابه أيديهم إلى أموال الرعية وظلموهم. وخرج عن طاعته صاحب الحلة، وخطب لأخيه محمد، وفي آخر العام وصل محمد وسنجر إلى بغداد، وجاء إلى خدمته إيلغازي بن أرتق، وتأخر بركياروق وهو مريض إلى واسط، وأصحابه ينهبون القرى ويأكلون، وفرح الخليفة والناس بالسلطان محمد.
وفيها أو في حدودها ظهرت الباطنية بالعراق ونواحيها، وكثروا؛ قال أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظم: أول ما عرف من أخبار الباطنية، في أيام ملك شاه، أنهم اجتمعوا فصلوا العيد في ساوة، ففطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم أطلقهم، فسألوا مؤذناً من أهل ساوة أن يدخل في مذهبهم، فامتنع، فخافوا أن ينم عليهم، فقتلوه، فرفع ذلك إلى نظام الملك، فأخذ رجلاً نجاراً اتهمه بقتله فقتله، فتحيلوا حتى قتلوا نظام الملك، وهو أول من فتكوا به، وكانوا يقولون: قتلتم منا نجاراً، فقتلنا به نظام الملك، ثم استفحل أمرهم بأصبهان، ولما مات السلطان ملكشاه، آل أمرهم إلى أنهم كانوا يسرقون الناس فيقتلونهم ويلقونهم في الآبار، فكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله يئسوا منه، وبلغ من حيلهم أنهم أجلسوا امرأة على حصير لا تبرح منه، فدخلوا الدار، يعني الأعوان، فأزالوها، فوجدوا تحت الحصير بئراً فيها