أكثرها، وكان يقول: لو شئت أن أعد خلفاءكم خليفةً خليفةً لعددت، فعظمت فتنة القوم به، وبالغوا في طاعته، إلى أن بلغوا حدًا لو أمر أحدهم بقتل أبيه أو أخيه أو ابنه لقتله، وسهل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال، لا سيما المغاربة البربر، فإنهم جبلوا على الإقدام على الدماء، واقتضاه إقليمهم، حتى قيل: إن الإسكندر أهديت له فرسٌ لا تسبق، لكنها لا تصهل، فلما حل بجبال درن، وهي بلاد المصامدة هذه، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت، فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره، فكتب إليه: هذه بلاد شر وقسوة، فعجل الخروج منها، وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتل لما كنت بالسوس ما قضيت منه العجب.
قال: وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة، فلما كان في سنة سبع عشرة جهز جيشًا من المصامدة، جلهم من أهل تينملل والسوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الذين تسموا بالمرابطين، فادعوهم إلى إماتة المنكر، وإزالة البدع، والإقرار بالإمام المهدي المعصوم، فإن أجابوكم فهم إخوانكم، وإلا فقاتلوهم، وقد أباحت لكم السنة قتالهم، وقدم عليهم عبد المؤمن، فسار بهم قاصدًا مراكش، فخرج لقتالهم الزبير ابن أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فلما تراءى الجمعان كلموا المرابطين بما أمرهم به ابن تومرت، فردوا عليهم أسوأ رد، ووقع القتال، فانهزم المصامدة، وقتل منهم مقتلة كبيرة، ونجا عبد المؤمن، فلما بلغ الخبر ابن تومرت قال: أليس قد نجا عبد المؤمن؟ قيل: نعم، قال: لم يفقد أحد، ثم أخذ يهون عليهم، ويقرر عندهم أن قتلاهم شهداء، فزادهم حرصًا على الحرب.
وقال الأمير عزيز في كتاب الجمع والبيان في أخبار القيروان: إن ابن تومرت أقام بتينملل، وسمى أصحابه وأتباعه بالموحدين، والمخالفين أمره: مجسمين، وأقام على ذلك نحو العام، فاشتهر أمره سنة خمس عشرة، وبايعته هرغة على أنه المهدي، فجهز له علي بن يوسف جيشًا من الملثمين، فقال ابن تومرت لأصحابه الذين بايعوه: إن هؤلاء قد جاءوا في طلبي، وأخاف عليكم