للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إشبيلية، ولم يترك البربر لأهلها سبدا ولا لبدا. ونهبت قصور المعتمد، وأخذ أسيرا. ثم أكره على أن يكتب إلى ولديه: أن تسلما الحصنين، وإلا قتلت، وإن دمي رهن على ذلك. وهما الراضي بالله، والمعتد بالله، وكانا في رندة ومارتلة، فنزلا بعد عهود مبرمة. فأما المعتد، فعند نزوله قبض عليه القائد الواصل إليه، وأخذ كل أمواله، وأما الآخر فقتلوه غيلة. وذهبوا بالمعتمد وآله بعد استئصال جميع أحواله، وعبروا به إلى طنجة، فبقي بها أياما، ثم نقلوه إلى مكناسة، فترك بها أشهرا، ثم نقلوه إلى مدينة أغمات، فبقي بها أكثر من سنتين مسجونا ومات. وللمعتمد مراث في ولديه اللذين قتلوهما، وله في حاله (١):

تبدلت من ظل عز البنود … بذل الحديد وثقل القيود

وكان حديدي سنانا ذليقا … وعضبا رقيقا صقيل الحديد

وقد صار ذاك وذا أدهما … يعض بساقي عض الأسود

وقيل: إن بنات المعتمد دخلن عليه السجن في يوم عيد، وكن يغزلن للناس بالأجرة في أغمات، فرآهن في أطمار رثة، فصدعن قلبه، فقال (٢):

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا … فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة … يغزلن للناس لا يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة … أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية … كأنها لم تطأ مسكا وكافورا

من بات بعدك في ملك يسر به … فإنما بات بالأحلام مغرورا

ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضت بساقيه، فقال (٣):

قيدي، أما تعلمني مسلما … أبيت أن تشفق أو ترحما

دمي شراب لك، واللحم قد … أكلته، لا تهشم الأعظما

يبصرني فيك أبو هاشم … فينثني، والقلب قد هشما

ارحم طفيلا طائشا لبه … لم يخش أن يأتيك مسترحما


(١) ديوانه ٩٤.
(٢) ديوانه ١٠٠.
(٣) ديوانه ١١٢.