هذا، نحن نقرأ الحديث وأنتما تتحدّثان؟! قال: وبلغني أنّه في مدّة مقامه بالإسكندريّة، وهي أربع وستون سنة، ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرّة واحدة. بل كان عامّة دهره لازمًا مدرسته، وما كنّا نكاد ندخل عليه إلاّ نراه مطالعًا في شيء. وكان حليمًا، متحمّلاّ لجفاء الغرباء. وقد سمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفيّ أحفظ الحفّاظ.
وقال ابن عساكر: سمع السلفي ممن لا يحصى، وحدث بدمشق فسمع منه أصحابنا ولم أظفر بالسماع منه. وسمعت بقراءته من شيوخ عدّة. ثم خرج إلى مصر، واستوطن الإسكندرية، وتزوّج بها امرأة ذات يسار، وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوّف. وصارت له بالإسكندرية وجاهة. وبنى له العادل عليّ بن إسحاق ابن السلاّر أمير مصر مدرسة بالإسكندرية. وحدّثني عنه أخي وأجاز لي. أخبرنا ابن البطر قال: أخبرنا ابن البيِّع فذكر حديثا، وهو موافقة مسلم من سادس المحامليّات.
ثم قال: أنشدنا أبو سعد السمعانيّ بدمشق، قال: أنشدنا أبو العزّ محمد بن عليّ البستيّ، قال: أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ لنفسه بميّافارقين:
إنّ علم الحديث علم رجال تركوا الابتداع للاتباع فإذا الليل جنّهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع
قلت: أنشدناهما أبو الحسين اليونينيّ وأبو عليّ ابن الخلاّل قالا: أنشدنا جعفر بن عليّ، قال: أنشدنا السلفيّ، فذكرهما.
وقال الحافظ عبد القادر عنه: وكان آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، حتّى أنّه كان قد أزال من جواره منكرات كثيرة. ورأيته يومًا وقد جاء جماعة من المقرئين بالألحان فأرادوا أن يقرؤوا، فمنعهم من ذلك وقال: هذه القراءة بدعة، بل اقرؤوا ترسُّلًا، فقرؤوا كما أمرهم.
قرأت بخط الحافظ عبد الغني جزءًا فيه نقل خطوط المشايخ للسِلفيّ بالقراءات: وقد قرأ بحرف عاصم على أبي سعد المطرّز، وقرأ بحمزة