قال قاضي القضاة ابن خلِّكان: وجدت في عدَّة تواريخ أنَّ الحريري صنَّف المقامات بإشارة أنوشروان إلى أن رأيت بالقاهرة سنة ست وسبعين نسخة مقامات كلها بخط مصنِّفها، وقد كتَبَ بخطه أيضاً أنه صنَّفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي علي الحسن بن علي بن صدقة وزير المسترشد، ولا شك في أنَّ هذا أصح لأنه بخط المصنِّف، وتُوفي الوزير المذكور في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وذكر الوزير جمال الدين علي بن يوسف الشَّيباني القفطي في تاريخ النُّحاة: أن أبا زيد السَّروجي اسمه المُطهّر بن سلاَّر، وكان بصريًّا لغويًّا صحب الحريري، وتخرَّج به، وقد روى أبو الفتح محمد بن أحمد المندائي مُلْحة الإعراب عنه عن الحريري، حدَّثهم بها بواسط في سنة ثمان وثلاثين. وتوفي بعد الأربعين وخمسمائة، وقد شرح المقامات جماعة من الفضلاء.
قال القاضي: ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري عمل المقامات أربعين مقامة، وحملها إلى بغداد فاتهمه جماعة من أدباء بغداد، وقالوا: هي لرجل مغربي مات بالبصرة ووقعت أوراقه إلى الحريري، فظفر بها، فادعاها، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: أنا رجل مُنْشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عيَّنها، فانفرد في ناحية من الدار وأخذ الدَّواة والورقة ومكث زماناً، فلم يُفْتَح عليه بشيء يكتبه، فقام خجلاً، وكان ممن أنكر دعواه علي بن أفلح الشَّاعر، فعمل في ذلك:
شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان كما رماه وسط الدِّيوان بالخرس وكان الحريري يذكر أنَّه من ربيعة الفرس، وكان يولع بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مشان البصرة، فلما رجع إلى بلده أكملها خمسين مقامة، وسَّير العشرة، واعتذر عن عيِّه بالهيبة.