٣٢٨ - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام، أبو العباس بن الحطيئة اللخمي الفاسي المقرئ الناسخ.
شيخ إمام صالح، كبير القدر، مقرئ بارع مجود من أعلام المقرئين، نسخ الكثير بالأجرة، وكان مليح الخط، جيد الضبط.
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بمدينة فاس، وحج ودخل الشام ولقي الكبار، ثم استوطن مصر بجامع راشدة خارج الفسطاط، وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كبير لا مزيد عليه.
قرأت بخط أبي الطاهر ابن الأنماطي: سمعت شيخنا أبا الحسن شجاعًا المدلجي، وكان من خيار عباد الله، يقول: كان شيخنا ابن الحطيئة شديدًا في دين الله، فظا غليظا على أعداء الله، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة مع عظم سلطنته ونفوذ أمره، فما يحتشمه ولا يكرمه، ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة وكفروا بالله. وكنت عنده يومًا في مسجده بشرف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريين، أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد وقال: واحرها على كبدي، أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آنية الفضة؟ لا والله لا تفعل. وطرد الغلام، فخرج، ثم طلب كوزًا، فجاء بكوز قد تثلم فشرب، واستحيى من الشيخ، فرأيته والله كما قال الله تعالى: يتجرعه ولا يكاد يسيغه. أتى رجل إلى شيخنا ابن الحطيئة بمئزر، وحلف بالطلاق ثلاثًا لا بد أن يقبله. فوبخه على ذلك وقال: علقه على ذاك الوتد، قال لنا شجاع وغيره: فلم يزل على الوتد حتى أكله العث وتساقط. وكان ينسخ بالأجرة، ولا يقبل لأحد قط هدية. وكان له على الجزية في الشهر ثلاثة دنانير، ولقد عرض عليه غير واحد من الأمراء أن يزيد جامكيته فما قبل. وكان له من الموقع في قلوبهم، مع كثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحد سواه،