وعرضوا عليه القضاء بمصر فقال: لا والله لا أقضي لهم.
قال شيخنا شجاع: وكتب صحيح مسلم كله بقلم واحد، وسمعته يقول: وقال له إنسان: فلان رزق نعمة ومعدة، فقال: حسدتموه على التردد إلى الخلاء! وسمعته يقول كثيرا إذا ذكر عمر بن الخطاب: طويت سعادة المسلمين في أكفان عمر رضي الله عنه.
قلت: وكان لا يقبل من أحد شيئًا. قرأ بالروايات على أبي القاسم ابن الفحام بالإسكندرية، وعلم زوجته وابنته الكتابة، فكانا يكتبان مثل خطه سواء، فإذا شرعوا في نسخ كتاب أخذ كل واحد منهم جزءًا من الكتاب ونسخوه، فلا يفرق بين خطوطهم إلا الحاذق.
ووقع بمصر الغلاء، فأتاه جماعة وسألوه قبول شيء فامتنع، فخطب الفضل بن يحيى الطويل ابنته وتزوجها، ثم سأل أباها أن تكون أمها عندها لتؤنسها، ففعل، فما أحسن ما تلطف هذا الرجل في بر أبي العباس رحمه الله، وبقي أبو العباس، وحده ينسخ ويقتنع.
قرأ عليه جماعة منهم شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي، وأبو الطاهر محمد بن محمد بن بنان الأنباري ثم المصري، وجماعة سواهم.
وحدث عنه السلفي، وهو أكبر منه، وقال: توفي في آخر المحرم بمصر، قال: وكان رأسًا في القراءات، سمع الحديث من أبي عبد الله الحضرمي، وأبي الحسن بن مشرف، وسمعته يقول: ولدت بفاس ودخلت الشام.
قلت: وروى عنه صنيعة الملك هبة الله بن يحيى بن حيدرة، والأمير إسماعيل بن أحمد اللمطي، والنفيس أسعد بن قادوس وهو آخر من حدث عنه. وقبره يزار بالقرافة الصغرى، وقد طلب لقضاء مصر فأبى.
قرأت بخط ابن الأنماطي الحافظ: حكى لنا أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم، قال: كان الشيخ أبو العباس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل بحيث بلغ في ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممن يأكل ثلاثين لقمة ويقول: لو أكل الناس من الضار ما آكل من النافع ما اعتلوا. وحكى لي شجاع أن أبا العباس ولدت له ابنته هند وكبرت وقرأت عليه بالسبع، وقرأت عليه الصحيحين، وغير ذلك، وكتبت الكثير، وتعلمت عليه كثيرًا من علوم القرآن والحديث وغير ذلك، ولم ينظر إليها قط. فسألت شجاعًا أكان ذلك عن قصد؟ فقال: كان في