للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - نقد الرجال]

يقوم نقد الرجال عند الذهبي عادة على إصدار حكم في المترجم وتبيان حاله جرحًا أو تعديلًا، ويكون ذلك في الأغلب بإيراد آراء الثقات من المعاصرين فيه وانطباعاتهم الشخصية عنه، إذا كان المترجم من غير أهل عصره، ويكتفي بآرائهم أو يرد عليها أو يُرجِّحُ رأيًا منها. أما الذين عاصرهم فيكون رأيه الشخصي هو الأساس في هذا النقد نظرًا لاتصاله بهم ومعرفته بأحوالهم.

وعلى الرغم من أن الغاية الأساسية من نشوء هذا النقد هو تبيان أحوال رجال الحديث، إلا أنه عني بتطبيقه على كثيرٍ من المُترجَمين في كتابه. وقد اعترض بعضُ معاصري الذهبيِّ عليه في عنايته الكبيرة بالنقد باعتبار أن الدواعي التي دعت إلى قيام النقد عند المتقدمين هي الوصول إلى تصحيح الحديث النبوي، ولما كان الحديث قد استقرَّ في الكتب الرئيسة فما عادت هناك من حاجةٍ إليه، وأن فائدته قد انقطعت منذ مطلع القرن الرابع الهجري. وممن صرح بهذا أبو عمرو محمد بن عثمان الغرناطي المعروف بابن المرابط "ت ٧٥٢ هـ" الذي ادعى أن ذكر معايب الناس غيبة لا تجوز وإنْ كان المذكور من أهل الرواية (١)، قال ابن حجر: "ورأيت بخطه جزءًا حَطَّ فيه على الذهبي وترجمه ترجمة أفرط في ذمِّه فيها وتَعقَّبها برهان الدين بن جماعة على الهامش" (٢). كما أخذ عليه بعضهم نقده لغير الرواة واعتبروا أن ذلك لا فائدة فيه (٣). ودافع السخاوي عن الذهبي وغيره ممن عنوا بالنقد في غير الرواة بقوله: "بأن الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة، ولا انحصار لها في الرواية، فقد ذكروا من الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره، ولا يُعَدُّ ذلك غِيبةً، بل هو نصيحةٌ واجبة: أن تكون للمذكور ولاية لا يقوم بها على وجهها … أو يكون مبتدعًا من المتصوفة وغيرهم، أو فاسقًا ويرى من يتردد إليه للعلم أو للإرشاد ويخاف عليه عود الضرر من قِبَلِهِ فيعلمه ببيان حاله …


(١) السخاوي: الإعلان، ص ٤٦٠، ٤٧٠، ٤٧٤.
(٢) ابن حجر: الدرر، ج ٤ ص ١٦٤.
(٣) السبكي: الطبقات، ج ٢ ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>