وتوجه مسعود إلى بلاد الجبل، واستناب على بغداد ألبقش السلاحي، فورد سلجوق شاه، أخو مسعود، إلى واسط، فطرده ألبقش، وكان مستضعفًا.
واجتمع الملك داود وعساكر أذربيجان، فواقعوا السلطان مسعودًا، وجرت وقعة هائلة، ثم قصد مسعود أذربيجان، وقصد داود همذان، ووصلها الراشد المخلوع يوم الوقعة، وتقررت القواعد أن الخليفة المقتفي يكتب لزنكي عشرة بلاد، ولا يعين الراشد، ونفذت إليه المحاضر التي أوجبت خلع الراشد، وأثبتت على قاضي الموصل، فخطب للمقتفي ومسعود، فلما سمع الراشد نفذ يقول لزنكي: غدرت؟! قال: ما لي طاقة بمسعود، فمضى الراشد إلى داود في نفرٍ قليل، وتخلف عنه وزيره ابن صدقة، ولم يبق معه صاحب عمامة سوى أبي الفتوح الواعظ، ونفذ مسعود ألفي فارس لتأخذه، ففاتهم ومضى إلى مراغة، فدخل إلى قبر أبيه، وبكى وحثى التراب على رأسه، فوافقه أهل مراغة، وحملوا إليه الأموال، وكان يومًا مشهودًا.
وقوي داود، وضرب المصاف مع مسعود، فقتل من أصحاب مسعود خلق.
وعادت الجباية والظلم ببغداد.
وفيها هرب الذي ولي الوزارة بالديار المصرية بعد الحسن ابن الحافظ العبيدي، وهو تاج الدولة بهرام الأرمني النصراني، وكان قد تمكن من البلاد، واستعمل الأرمن، وأساء السيرة في الرعية، فأنف من ذلك رضوان بن الولخشي، فجمع جيشًا وقصد القاهرة، فهرب منه بهرام لعنه الله إلى الصعيد، ومعه خلق من الأرمن، فمنعه متولي أسوان من دخولها، فقاتله، فقتل السودان طائفة من الأرمن، فأرسل يطلب الأمان من الحافظ فأمنه، فعاد إلى القاهرة، فسجن مدة، ثم ترهب وأخرج من الحبس.
وأما رضوان فوزر للحافظ، ولقب بالملك الأفضل، وهو أول وزير بمصر لقبوه بالملك، ثم فسد ما بينه وبين الحافظ، فهرب في شوال سنة ثلاثٍ وثلاثين، ونهبت أمواله وحواصله، فأتى الشام، فنزل على أمين الدولة كمشتكين صاحب صرخد، فأكرمه وعظمه، وجرت له أمور ذكرنا بعضها سنة ثلاثٍ وأربعين.