الأيام بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت. قال: كذبت أنت وأبوك وأمك. وغضب ابن عبد الحكم، وجلس البويطي في مجلس الشافعي، وجلس ابن الحكم في الطاق الثالث.
قال زكريا بن أحمد البلخي: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الترمذي، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: كان البويطي حين مرض الشافعي بمصر هو، وابن عبد الحكم، والمزني، فاختلفوا في الحلقة أيهم يقعد فيها؟ فبلغ الشافعي فقال: الحلقة للبويطي، فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم الشافعي وأصحابه. وكانت أعظم حلقة في المسجد، والناس في الفتيا إليه، والسلطان إليه. فكان أبو يعقوب البويطي يصوم ويقرأ القرآن، ولا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختمه، مع صنائع المعروف للناس. قال: فسعي به، وكان أبو بكر الأصم ممن سعى به، ليس هو بابن كيسان الأصم. وكان أصحاب ابن أبي دؤاد وابن الشافعي ممن سعى به، حتى كتب فيه ابن أبي دؤاد إلى والي مصر، فامتحنه، فلم يجب. وكان الوالي حسن الرأي فيه. فقال: قل فيما بيني وبينك. قال: إنه يقتدي بي مائة ألف، ولا يدرون المعنى. قال: وكان قد أمر أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطل حديد؟ قال الربيع: وكان المزني ممن سعى به، وحرملة. قال أبو جعفر الترمذي: فحدثني الثقة عن البويطي أنه قال: برئ الناس من دمي إلا ثلاثة: حرملة، والمزني، وآخر.
وقال الربيع: كان البويطي أبدا يحرك شفتيه بذكر الله، وما أبصرت أحدا أنزع لحجة من كتاب الله من البويطي. ولقد رأيته على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن. فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقا خلق بمخلوق. ولئن أدخلت عليه لأصدقنه، يعني الواثق، ولأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.
وقال الربيع أيضا: كتب إلي البويطي أن أصبر نفسك للغرباء، وحسن خلقك لأهل حلقتك، فإني لم أزل أسمع الشافعي رحمه الله يكثر أن يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها. . . ولن تكرم النفس التي لا تهينها قلت: ولما توفي الشافعي جلس بعده في حلقته أبو يعقوب البويطي، ثم