للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ومدة أيامه لم يختلف عليه أحدٌ من أصحابه، وفُجع الناس بموته. وكان الناس في أيامه يأمنون ظُلمه، ويرجون رفده. وأكثر ما كان عطاؤه يصل إلى الشجعان، وإلى أهل العلم، وأهل البيوتات. ولم يكن لمبطل، ولا لصاحب هزلٍ عنده نصيب.

ووجد في خزائنه بعد موته دينار صوري، وثلاثون درهمًا.

وكان حسن الوفاء بالعهود، حسن المقدرة إذا قدر، كثير الصفح. وإذا نازل بلدًا وأشرف على أخذه، ثم طلبوا منه الأمان أمنهم، فيتألم جيشه لذلك لفوات حظهم. وقد عاقد الفرنج وهادنهم عندما ضرس عسكره الحرب وملوا.

قال القاضي بهاء الدين ابن شداد: قال لي السلطان في بعض محاوراته في الصلح: أخاف أن أصالح، وما أدري أي شيء يكون مني، فيقوى هذا العدو، وقد بقيت لهم بلادٌ فيخرجون لاستعادة ما في أيدي المسلمين، وترى كل واحدٍ من هؤلاء، يعني أخاه وأولاده وأولاد أخيه، قد قعد في رأس تلةٍ، يعني قلعته، وقال لا أنزل. ويهلك المسلمون.

قال ابن شداد: فكان والله كما قال؛ توفي عن قريبٍ، واشتغل كل واحدٍ من أهل بيته بناحية، ووقع الخُلف بينهم، وبعد، فكان الصلح مصلحة، فلو قُدر موته والحرب قائمةٌ لكان الإسلام على خطر.

قال الموفق: حم صلاح الدين ففصده من لا خبرة له، فخارت القوة ومات قبل الرابع عشر، ووجد الناس عليه شبيهًا بما يجدونه على الأنبياء. وما رأيت ملكًا حزن الناس لموته سواه، لأنه كان محببًا، يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر.

ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ، ومزقوا في البلاد.

قلت: ولقد أجاد في مدحه العماد حيث يقول:

وللناس بالمالك الناصر الص صلاح صلاحٌ ونصرٌ كبيرٌ هو الشمس أفلاكه في البلا دِ ومطلعه وسرجُه والسريرُ إذا ما سطا أو حبا واحتبى فما الليثُ من حاتم ما ثبير وقد طول القاضي شمس الدين ترجمته فعملها في تسعٍ وثلاثين ورقة

<<  <  ج: ص:  >  >>