وفي وسط السنة أخلى الملك المعز قلعة الجزيرة التي قبالة مصر، وقطعوا جسرها الذي على النيل، وترك بها نحو مائة نفس يحفظون أبراجها. وكان الملك الصالح قد أنشأها في أيامه، وغرم عليها أموالاً عظيمة لا تحصى. وكان مكانها دور ومساجد ونخل وبستان، فخرب المساجد والدور، وكثر الدعاء عليه لذلك. ثم بعثوا حجارين لخراب سور دمياط باتفاق من أمراء الترك، ثم أحضروا بعد أيام أبوابها إلى مصر. وقبض المعز في هذه الأيام على خلق من الأمراء والمفاردة.
وفيها كثرت الحرامية ببغداد، وصار لهم مقدم يقال له: غيث، وتجرؤوا على دور الأمراء.
وفيها ثارت طائفة من الجند ببغداد، ومنعوا يوم الجمعة الخطيب من الخطبة، واستغاثوا لأجل قطع أرزاقهم وفاقتهم. وكل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي، وكان حريصاً على زوال دولة بني العباس ونقلها إلى العلويين. والرسل في السر بينه وبين التتر، والمستعصم بالله تائه في لذاته لا يطلع على الأمور، ولا له غرض في المصلحة.
وفيها حج طائفة من العراق، ولم يحج أحد من الشام ولا مصر لاضطراب الأمور، فأغلق صاحب مكة أبو سعد أبواب مكة، وأخذ على الرأس ديناراً، ورتب إماماً للزيدية في الحرم عناداً وتقرباً إلى العلوي الخارج باليمن.
ومن زمان المستنصر بالله إلى الآن لم يخرج من بغداد ركب، إنما يتجمع ناس ويحجون مع عرب البصرة يخفرونهم، وذلك لضعف الخلافة وخبث الوزير قاتله الله.
وفيها فرغوا من حروب دمياط، وتفرق أهلها، ونقلوا أخشاب بيوتهم وأبوابها، وتركوها خاويةً على عروشها. ثم بنيت بليدة قريباً منها تسمى المنشية، وكان سور دمياط من عمارة المتوكل على الله.
[سنة تسع وأربعين [وستمائة]]
فيها وصل الملك الناصر دمشق، فإنه أقام على غزة حتى تراجع أكثر عسكره.
وفيها جاء عسكر مصر فنزلوا على غزة والساحل ونابلس، وحكموا على بلاد فلسطين. فجهز الملك الناصر جيشاً، وجاءته النجدة، فسار عسكره إلى