الجماعة: حماري يحتاج إلى رسن، بكم رسن؟ قالوا: بأربعة فلوس، فقال لواحد، وأشار إلى موضع في الحائط: فإني جُزت ههنا وقتًا، وخبّأت ثم أربع فلوس، اشتروا لي بها حبلًا، فأخذ الرجل الأربع فلوس، ثم قال: أريد أن تشتري لي بدينار سمك، قلت له: كرامة، ومن أين لك ذهب؟ قال: بلى، معي ذهب كثير، قلت: الذهب يكون أحمر، قال: أحمر، قال: أبصِر تحت الحشيش، فإني أظن أن لي فيه دينارًا، وكان ثمّ حشيش، فنحّيت الحشيش، فخرج دينار وازن، فاشتريت له به سمكًا، فنظّفه بيده، وشواه، ثم قلاه، ثم أخرج منه الجلد والعظم، وجعله أقراصًا، وجففه، وتركه في الجُراب، ومضى، وكان قوته من ذا، وله كذا وكذا سنة ما أكل الخبز، وكان يسكن جبال الشام، ويأكل البلوط والخرنوب.
قال: وقرأت بخط أبي الحجاج يوسف بن محمد بن مقلّد الدمشقي أنه سمع من الشيخ أبي الحسين أبياتًا من الشعر بمسجد باب الفراديس، ثم قال: وهذا الشيخ عظيم الشأن، يقعد نحو خمسة عشر يومًا لا يأكل إلا أكلةً واحدة، وأنه يتقوّت من الخرنوب البري، وأنه يجفف السمك ويدقّه، ويستفّه.
وحدثني الإمام يوسف ابن الشيخ أبي الحسين الزاهد المقدسي أن رجلًا كان مع الشيخ، فرأى معه صرة يستف منها، فمضى الشيخ يومًا وتركها، فأبصر الرجل ما فيها، فإذا فيها شيء مرّ، فتركها، فجاء الشيخ، فقال له: يا شيخ، ما في هذه الصرة؟ فأخذ منها كفًا وقال: كُل، قال: فأكلته، فإذا هو سكّر ملتوت بقلب لوز.
وأخبرنا أبو المظفّر ابن السمعاني، عن والده، قال: سمعت الشيخ عبد الواحد بن عبد الملك الزاهد بالكرج يقول: سمعتُ أبا الحسين المقدسي، وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة، وكان طاف الدنيا، يقول: رأيت أعجميًا بخراسان يتكلم في الوعظ بكلام حسن، قلت: في أيها رأيت؟ قال: في مرو، واسمه يوسف، يعني يوسف بن أيوب الزاهد، قال عبد الواحد: ورأيته في غير الموسم، يعني أبا الحسين، بمكة مرات، فسلّمت عليه، فعرفني وسألني، فقلت له: أيش هذه الحالة؟ فقال: اجتزت ههنا، فأردت أن أطوف وأزور.