أقطار الأندلس، وأمنت به لفرط سياسته. وقد استوزر جماعة، وكان المؤيد بالله معه صورة بلا معنى، فإنه استولى على التدبير والحجوبية، ولم يبق أحد من الدولة يقدر على رؤية المؤيد، بل كان أبو عامر يدخل عليه القصر ويخرج فيقول: أمر أمير المؤمنين بكذا، ونهى عن كذا، فلا يخالفه أحد، وكان يمنع المؤيد من الاجتماع بأحد، وإذا كان بعد سنين أركبه وجعل عليه برنساً، وألبس جواريه مثله، فلا يعرف المؤيد في سائر الجواري، ويخرجه ليتنزه في الزهراء، ثم يعود إلى القصر على هذه الحالة، وليس له إلا السكة والخطبة.
وكان أبو عامر له في الجمعة مجلس حافل، تجتمع فيه العلماء للمناظرة.
وغزا في أيامه نيفاً وخمسين غزوة، وملأ بلاد المسلمين غنائم وسبياً، حتى قيل: لقد أبيعت بنت عظيم من عظماء الروم ذات حسن وجمال بقرطبة بعشرين دينارًا عامرية، وكان إذا فرغ من قتال العدو، نفض ما عليه من غبار، ثم يجمعه ويتحفظ به، فلما احتضر، أمر بما اجتمع من ذلك أن يذر على كفنه. وتوفي - رحمه الله - وهو بأقصى الثغور، عند موضع يعرف بمدينة سالم، مبطوناً شهيداً في هذه السنة. وللشعراء فيه مدائح كثيرةً، وكان يجيزهم بالذهب الكثير. وقام بالأمر بعده ولده أبو مروان عبد الملك بن أبي عامر، ولقبوه بالمظفر، فدامت أيامه في الأمن والخصب، ولكن لم تطل مدته، ومات، فثارت الفتن بالأندلس.
١٠٢ - محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا، محدث العراق، أبو طاهر البغدادي الذهبي المخلص.
سمع أبا القاسم البغوي، وأبا بكر بن أبي داود، وابن صاعد، وأحمد بن سليمان الطوسي، ورضوان الصيدلاني، ومحمد بن هارون الحضرمي، وجماعة.
روى عنه هبة الله اللالكائي، وأبو محمد الخلال، وأبو سعد إسماعيل بن علي السمان، وأبو طالب المحسن بن شهفيروز الفقيه، وإبراهيم بن