من الخراب، والويل المبير واليباب. وكانت - لعمر الله - بلادًا مونقة الأرجاء رائقة الأنحاء، ذات رياض أريضة، وأهوية صحيحة مريضة، قد تغنّت أطيارها، فتمايلت أشجارها، وبكت أنهارها، فتضاحكت أزهارها، وطاب روح نسيمها، فصحّ مزاج إقليمها.
إلى أن قال: جملة أمرها أنّها كانت أنموذج الجنّة بلا مينٍ، فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذّ العين.
إلى أن قال في وصف أهلها: أطفالهم رجال، وشبّانهم أبطال، وشيوخهم أبدال. ومن العجب العجاب أنّ سلطانهم المالك، هان عليه ترك تلك الممالك، وقال: يا نفس الهوى لك، وإلاّ فأنت في الهوالك، فأجفل إجفال الرال، وطفق إذا رأى غير شيء ظنه رجلا بل رجال، فجاس خلال تلك الدّيار أهل الكفر والإلحاد، وتحكّم في تلك الأبشار أولو الزّيغ والعناد، فأصبحت تلك القصور، كالممحو من السّطور، وآضت تلك الأوطان مأوى للأصداء والغربان، يستوحش فيها الأنيس، ويرثي لمصابها إبليس، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من حادثة تقصم الظّهر، وتهدم العمر، وتوهي الجلد، وتضاعف الكمد، فحينئذٍ تقهقر المملوك على عقبه ناكسًا، ومن الأوبة إلى حيث تستقرّ فيه النفس آيسًا بقلبٍ واجب، ودمع ساكب، ولبّ عازب وحلم غائب، وتوصّل، وما كاد حتّى استقرّ بالموصل بعد مقاساة أخطار، وابتلاء واصطبار، وتمحيص أوزار، وإشرافٍ غير مرة على البوار؛ لأنّه مرّ بين سيوفٍ مسلولة، وعساكر مغلولة، ونظام عقود محلولة ودماءٍ مسكوبة مطلولة. وكان شعاره كلّما علا قتبًا، أو قطع سبسبًا {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} فالحمد لله الّذي أقدرنا على الحمد، وأولانا (نعما) تفوت الحصر والعدّ. ولولا فسحة الأجل لعزّ أن يقال: سلم البائس أو وصل، ولصفّق عليه أهل الوداد