للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستخلص دلدمر وبني عمه كبراء الباروقية من اعتقال ابن أخيه الملك الظاهر، ثمّ قدم دمشق فأصلح بين الأخوين الأفضل والعزيز، على أن للعزيز من بيسان إلى أسوان. وقدم الظاهر من حلب إلى دمشق، ثمّ عاد كلّ إلى بلاده. وتزوج العزيز بابنة عمه العادل.

قلت: وذلك من دهاء الملك العادل، فإنه بقي يلعب بأولاد أخيه لعبًا، فإنه قدم من حلب بصاحبها، وبصاحب حماة ناصر الدّين محمد بن عمر، وبصاحب حمص، وغيرهم، واتفقوا على حفظ دمشق. وأوضح لهم العادل بأن الملك العزيز إن ملك دمشق أخذ منكم بلادكم. فلما رأى العزيز اجتماعهم فتر وراسل في الصلح، فاستقرت القاعدة على أن يكون له مملكة فلسطين، وهي البيت المقدس وبلادها مع مصر، على أن للعادل إقطاعه الأول بمصر، وأن يكون نائبًا للسلطنة بمصر. وأن للملك الأفضل دمشق والأردن، وأن للظاهر مملكة حلب مع جبلة واللاذقية. وتفرقوا على ذلك. وخرج الأفضل فودع أخاه الملك العزيز.

قال العماد الكاتب: قال لي الأفضل: كنت قد فارقت أخي منذ تسع سنين، وما التقينا إلا في هذه السنة. قال: وأنشدني لنفسه في المعنى:

نظرتُكَ نظرةً من بعد تِسعٍ تقضَّت بالتفرُّق من سنين وغضّ الطَّرف عنها طرفٌ غدرٍ مسافة قرب طرفٍ من جبين فَويح الدهر لم يسمح بقربٍ يعيدُ به الهجوعَ إلى الجُفُون فراقٌا ثمّ يُعقبه بّينٌ يعيدُ إلى الحشا عدم السكون ولا يبدي جيوشَ القُربِ حتى يرتبَ جيشَ بُعدٍ في الكمين ولا يدني محلّي منك إلا إذا دارت رحى الحرب الزَّبُون فليتَ الدهرُ يسمحُ لي بأُخرى ولو أمضى بها حُكمَ المنون فقلت: لله درك ما أبدع هذا المعنى، فكاتب أخاك بما فيه استعطاف واستلطاف.

قال العماد: فلو ترك الأفضل وفطنته الذكية، لجرت الأمور على

<<  <  ج: ص:  >  >>