وانقلب البلد بالسرور وحمد الله وثارت الأحداث والشطار في الحال بالسيوف والخناجر يقتلون من رأوا من الباطنية وأعوانهم، ومن يتهم بمذهبهم، وتتبعوهم حتى أفنوهم، وامتلأت الطرق والأسواق بجيفهم، وكان يومًا مشهودًا أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأخذ جماعةٌ أعيانٌ منهم شاذي الخادم تربية أبي طاهر الصائغ الباطني الحلبي، وكان هذا الخادم رأس البلاء، فعوقب عقوبة شفت القلوب، ثم صلب هو وجماعة على السور.
وبقي حاجب دمشق يوسف فيروز، ورئيس دمشق أبو الذواد مفرج بن الحسن ابن الصوفي يلبسان الدروع، ويركبان وحولهما العبيد بالسيوف، لأنهما بالغا في استئصال شأفة الباطنية.
ولما سمع إسماعيل الداعي وأعوانه ببانياس ما جرى انخذلوا وذلوا، وسلم إسماعيل بانياس إلى الفرنج، وتسلل هو وطائفته إلى البلاد الإفرنجية في الذلة والقلة، ثم مرض إسماعيل بالإسهال، وهلك في أوائل سنة أربعٍ وعشرين، فلما عرف الفرنج بواقعة الباطنية، وانتقلت إليهم بانياس، قويت نفوسهم، وطمعوا في دمشق، وحشدوا وتألبوا، وتجمعوا من الرها، وأنطاكية، وطرابلس، والسواحل، والقدس، ومن البحر، وعليهم كندهر الذي تملك عليهم بعد بغدوين، فكان نحوًا من ستين ألفًا، من بين فارسٍ وراجل، فتأهب تاج الملوك بوري، وطلب التركمان والعرب، وأنفق الخزائن، وأقبل الملاعين قاصدين دمشق، فنزلوا على جسر الخشب والميدان في ذي القعدة من السنة، وبرز عسكر دمشق، وجاءت التركمان والعرب، وعليهم الأمير مري بن ربيعة وتعبوا كراديسٍ في عدة جهات، فلم يبرز أحد من الفرنج، بل لزموا خيامهم، فأقام الناس أيامًا هكذا، ثم وقع المصاف، فحمل المسلمون، وثبت الفرنج، فلم يزل عسكر الإسلام يكر عليهم ويفتك بهم إلى أن فشلوا وخذلوا، ثم ولى كليام مقدم شجعانهم في فريقٍ من الخيالة، ووضع المسلمون فيهم السيف، وغودروا صرعى، وغنم المسلمون غنيمة لا تحد ولا توصف، وهرب جيش الفرنج في الليل، وابتهج الخلق بهذا الفتح المبين.