قال سبط الجوزي: سبب أخذ نور الدين دمشق ما ظهر من صاحبها مجير الدين من الظلم ومصادرات أهلها، وقبضه على جماعة من الأعيان، واستدعى زين الدولة ابن الصوفي الذي ولاه رياسة دمشق لما أخرج أخاه وجيه الدولة منها، فقتله في القلعة، ونهب داره، وأحرق دور بني الصوفي، ونهب أموالهم. وتواترت مكاتباته للفرنج يستنجد بهم ويطمعهم في البلاد، وأعطاهم بانياس، فكانوا يشنون الغارات إلى باب دمشق، فيقتلون ويأسرون. وجعل للفرنج على أهل دمشق قطيعة، فكاتب أهل دولته نور الدين، فأخذ نور الدين معه في الملاطفة والود، وخاف إن شدد عليه أن يستعين بالفرنج، ولم يزل إلى أن تسلم دمشق.
قال ابن عساكر: وقد كان شاور السعدي أمير الجيوش بمصر وصل إلى جنابه مستجيرًا به لما عاين الذعر، فأكرمه وأكرم مورده واحترمه، وبعث معه جيشًا ليرده إلى درجته، فوصلوا معه، وقتلوا خصمه، ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته، واستجاش بجيش الفرنج طلبا لبقائه في مرتبته ثم وجه إليه بعد ذلك جيشا آخر فأصر على المشاققة وكابر، واستنجد بالعدو المخذول، فأنجدوه، وضمن لهم الأموال العظيمة، فرجع عسكر نور الدين إلى الشام، فحدث صاحب الفرنج نفسه بأخذ مصر، فتوجه إليها بعد سنتين لينتهز الفرصة، فأخذ بلبيس، وخيم بعرصة مصر، فلما بلغ نور الدين ذلك، بذل جهده في توجيه الجيش إليها، فلما سمع العدو بمجيء جيشه رجعوا، وأمن أهل مصر بقدوم الجيش وانتعشوا، واطلع من شاور على المخامرة، وأنه أنفذ يراسل العدو ليردهم إلى مصر، ويدفع بهم الجيش، فلما عرف غدره تمارض أسد الدين، فجاء شاور يعوده، فوثب جورديك وبزغش النوريان فقتلاه، وأراح الله منه، وصفى الأمر لأسد الدين، وتملك وحمدت سيرته، وظهرت السنة بمصر.
وكان حسن الخط، حريصًا على تحصيل الكتب الصحاح والسنن، كثير المطالعة للفقه، والحديث، مواظبًا على الصلوات في جماعة، كثير التلاوة،