علي في هذه الليلة قطعٌ. وكأني بكِ قد هتِكت وهلكتِ مع أختي، فتسلمي هذا المفتاح، فلي في هذه الخزانة صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار، فحوليها إلى قصرك لتكون ذخيرةً لك. فبكت وقالت: إذا كنت تتصور هذا فدع ركوبك الليلة. فقال: أفعلُ، وكان في رسمه أنه يطوف كل ليلة حول القصر في ألف رجل، ففعل ذلك ثم نام. فانتبه الثُلث الأخير وقال: إن لم أركب فأتفرج خرجت نفسي. فركب وصعد الجبل ومعه صبي. فخرج العبدان فصرعاه وقطعا يديه وشقا جوفه وحملاه في كِسائه إلى ابن دواس، وقتلا الصبي. فحمله ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلس لها سرا، وأحضرت الوزير واستكتمته واستحلفته على الطاعة، وأن يكاتب ولي العهد عبد الرحيم بن إلياس العُبيدي، ليبادر، وكان بدمشق، وأنفذت إلى أمير يقيم في الطريق فإذا وصل ولي العهد قبض عليه وعدلَ به إلى تِنيس. وكتبت إلى عامل تنيس عن الحاكم أن يحمل إليه ما قد تحصل عنده، وكان ألف ألف دينار وألفي ألف دِرهم.
وفقد الحاكم، فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل، فلم يقفوا له على أثر، فعادوا إلى أخته فسألوها عنه فقالت: قد كان راسلني قبل ركوبه، وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام. فانصرفوا مطمئنين، ورتبت رِكابية يمضون ويعودون كأنهم يقصدون موضعه، ويقولون لكل من سألهم: فارقناه في الموضع الفُلاني، وهو عائذٌ في يوم كذا.
ولم تزل الأخت في هذه الأيام تدعو وجوه القُواد وتستحلفهم وتُعطيهم. ثم ألبست أبا الحسن علي ابن الحاكم أفخر الثياب وأحضرت ابن دواس وقالت: المعول في القيام بهذه الدولة عليك، وهذا ولدك، فقبل الأرض. وأخرجت الصبي ولقبته بالظاهر لإعزاز دين الله، وألبسته تاج المُعز، جدها، وأقامت المأتم على الحاكم ثلاثة أيام. وهذبت الأمور، وخلعت على ابن دواس خِلعا كثيرة، وبالغت في رفع منزلته، وجلس معظما.
فلما ارتفع النهار خرج تسنيم صاحب السر والسيفُ معه ومعه مائة رجل كانوا يختصون بركاب السلطان ويحفظونه، يعني سِلحدارية، فسُلموا إلى ابن دواس يكونون بحكمه، وتقدمت إلى تسنيم أن يضبط أبواب القصر، ففعل، وقالت له: اخرج بين يدي ابن دواس فقُل: يا عبيد، مولانا الظاهرُ أمير