المقتدر فأخبره فأنكر إنكاراً شديداً. فبعث ابن الفرات إلى ابنه يشتمه ويسبه، وبعث إلى علي بن عيسى بمال وحمله مكرماً إلى داره. فسأل الخروج إلى مكة. فأذنوا له، فخرج إليها.
ونكب ابن الفرات أبا علي بن مقلة، وكان كاتباً بين يدي حامد بن العباس.
وقدم مؤنس بغداد، فالتقاه الملأ، فأنكر ما جرى على حامد وابن عيسى فعز على ابن الفرات، فاجتمع بالمقتدر وأغراه بمؤنس، وقال: قد عزم على التحكم على الخلافة. فلما دخل مؤنس على المقتدر قال له: ما شيء أحب إلي من إقامتك ببغداد، ولكن قد قلت الأموال بالعراق، وعسكرك يحتاجون إلى الأرزاق، ومال مصر والشام كثير. وأرى أن تقيم بالرقة، والأموال تحمل إليك من الجهات، فاخرج.
وعلم مؤنس أن ذا من تدبير ابن الفرات، وكان بينهما عداوة، فخرج بعد أيام مستوحشاً. فتفرغ ابن الفرات في نكبة نصر الحاجب، وشفيع المقتدري، وكثر عليهما عند المقتدر، فلم يمكنه منهما، فقال: إن نصراً ضيع عليك في شأن ابن أبي الساج خمسة آلاف ألف دينار، ولو كانت باقية لأرضيت بها الجند.
فكان المقتدر يشره إلى المال مرة، ويراعي خاطر والدته لمدافعتها عن نصر مرة، وقالت له: قد أبعد ابن الفرات مؤنساً وهو سيفك، ويريد أن ينكب حاجبك ليتمكن منك، فيجازيك على حسب ما عاملته من إزالة نعمته وهتك حرمه، فبمن تستعين على ابن الفرات والمحسن مع ما قد ظهر من شرهما واستحلالهما الدماء إن خلعاك؟
واتفق أن وجد في دار المقتدر أعجمي دخل مع الصناع، فأخذ وقرر فلم يقر بشيء، ولم يزد على غي دائم، فصلب وأحرق. فقيل: إن ابن الفرات قال لنصر بحضرة المقتدر: ما أحسبك ترضى لنفسك أن يجري في دارك ما جرى في دار أمير المؤمنين وأنت حاجبه، وما تم هذا على أحد من الخلفاء. وكثر على نصر، وجرت بينهما منافسة.
وفي شعبان أمر المقتدر برد المواريث إلى ما صيرها المعتضد من توريث ذوي الأرحام.