فأطلقوني، فرجعت إلى قابس، فما عرفت بها أحداً، فذهبت إلى القيروان راجلاً عرياناً، فأتيت صديقاً لي، فأصلح شأني وقال: أعلم الأمير. فقصدناه وهو جالس للناس، فقصصت عليه شأني، فتنمر، وأمرني بالجلوس. ثم رأيته يأمر وينهى، فلما قام أمر بعض الخدم فأدخلني القصر، وبعث إلي طعاماً، ثم نمت، ثم طلبني قبل العصر إلى روشنه، ودعا أمير الجيش فقال: هل وجهت إلى طرابلس بخيل؟ قال: نعم، سبعة فوارس وقد عادوا. قال: فطلبهم، وقال: من تعرف من هؤلاء فعرفني به؟ فقلت: هذا منهم، إلى أن جمع السبعة. فأخذهم بالرغبة والرهبة فأنكروا، ففرقوا في بيوت، وجيء بالسياط وضربوا مفرقين ثم دار بنفسه عليهم، وبقي يقول للواحد: قد اعترف صاحبك بعد الهلاك، فلا تحوج نفسك إلى ما حل به، فأقروا وأحضروا الخرج والبغلة والثياب، لم تنقص سوى سبعة دنانير. فأتمها إبراهيم من ماله، وأعطاني غلاماً، وخفرني بناس إلى طرابلس، فلما عبرنا على الموضع الذي أخذت فيه وجدت السبعة فوارس على الخشب، والكلاب تأكل من أقدامهم.
وقيل: إنه جاءه قوم برجل، في يده سكين، وثيابه ملطخة بالدماء، فقال: ما لهذا؟ قالوا: أبونا خرج لصلاة الصبح، فوجد في الطريق مذبوحاً، وهذا قائم عنده هكذا. فقال: أقتلت؟ قال: نعم. قال: اذهبوا به فاقتلوه. وقال: إن اخترتم أن أؤدي عنه الدية، وأوليكم شيئاً فعلت. قالوا: ما نريد إلا القصاص. فراحوا به، فلما هموا بقتله برز رجل من الحلق وقال: والله ما هذا قتله، وأنا قتلته. فرجعوا به، فأقر عند الأمير، فقال لذاك: وما الذي ألجأك إلى الإقرار؟ قال: أصلح الله الأمير، عبرت فوجدت أبوهم يضطرب والسكين في نحره، فخطر لي أنني إن أزلت السكين من نحره ربما سلم. فأزلتها فمات والسكين في يدي، والدم على ثوبي، فرأيت الإقرار أولى من العذاب بالضرب والمثلة. فقال الأمير: وهذا أيضاً إن اخترتم أخذ الدية وأن أوليكم فعلت. قالوا: ما نريد إلا القود. ثم راحوا ليقتلوه، فبدرهم رجل من الحلقة، وقال: والله ما قتله الأول ولا الثاني، وما قتله إلا أنا. فردوا إلى الأمير، وزاد التعجب، فقال: لذاك: أقتلت؟ قال: لا والله. قال: فما أحوجك إلى الإقرار؟ قال: إني كنت في شبابي مسرفاً على نفسي، وقتلت جماعة ثم تبت ورجعت إلى الله. وكنت في غرفة لي، فأخرجت رأسي فرأيت الشيخ قد أضجعه رجل