روى عنه الحسن الحصائري، وغيره. وكان حسن المذهب عفيفا متثبتا. وكان قد نزع الطاعة، وقام مع ابن طولون، وخلع أبا أحمد الموفق ووقف عند المنبر يوم الجمعة وقال: أيها الناس أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه. فعل ذلك أبو زرعة بأمر أحمد بن طولون.
وكانت قد جرت وقعة بين ابن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون في سنة إحدى وسبعين ومائتين، وتسمى وقعة الطواحين. وانتصر فيها أحمد بن الموفق، ورجع إلى دمشق. وكانت هذه الوقعة بنواحي الرملة. فقال ابن الموفق لكاتبه أحمد بن محمد الواسطي. انظر من كان يبغضنا. قال: فأخذ يزيد بن عبد الصمد، وأبو زرعة الدمشقي، والقاضي أبو زرعة مقيدين، فاستحضرهم يوما في طريقه إلى بغداد، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق؟ فربت ألسنتا وآيسنا من الحياة.
قال أبو زرعة الدمشقي المحدث: فأما أنا فأبلست، وأما يزيد فخرس وكان تمتاما، وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سنا فقال: أصلح الله الأمير، فقال الواسطي: قف حتى يتكلم أكبر منك، فقلنا: أصلحك الله، هو يتكلم عنا، فقال: تكلم، قال: والله ما فينا هاشمي صريح، ولا قرشي صحيح، ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا، يعني قهرنا؛ ثم روى أحاديث في السمع والطاعة، وأحاديث في العفو والإحسان، وكان هو المتكلم بالكلمة التي نطالب بخزيها، وقال: إني أشهدك أيها الأمير أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي حرام، إن كان من هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة. ووراءنا حرم وعيال، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد القدرة، فقال للواسطي: أطلقهم، لا كثر الله أمثالهم.
فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد في نزهة أنطاكية وطيبها عند عثمان بن خرزاد، وسبق هو إلى حمص.
قال ابن زولاق في تاريخ قضاة مصر: ولي أبو زرعة قضاء مصر سنة أربع وثمانين، وكان يذهب إلى قول الشافعي، ويوالي عليه ويصانع. وكان عفيفا، شديد التوقف في إنفاذ الأحكام. وله مال كثير وضياع كبار بالشام.