قال: في ذي القعدة أقبلت الروم فخرجوا من الدروب، فخرج سيف الدولة من حلب، فتقدم إلى عزاز في أربعة آلاف فارس وراجل. ثم تيقن أنه لا طاقة له بلقاء الروم لكثرتهم، فرد إلى حلب، وخيم بظاهرها، ليكون المصاف هناك. ثم جاءه الخبر بأن الروم مالوا نحو العمق، فجهز فتاه نجا في ثلاثة آلاف لقصدهم. ثم لم يصبر سيف الدولة، فسار بعد الظهر بنفسه، ونادى في الرعية: من لحق بالأمير فله دينار. فلما سار فرسخا لقيه بعض العرب، فأخبره أن الروم لم يبرحوا من جبرين، وأنهم على أن يصبحوا حلب، فرد إلى حلب، ونزل على نهر قويق. ثم تحول من الغد فنزل على باب اليهود، وبذل خزائن السلاح للرعية.
وأشرف العدو في ثلاثين ألف فارس، فوقع القتال في أماكن شتى، فلما كان العصر وافى ساقة العدو في أربعين ألف راجل بالرماح، وفيهم ابن الشمشقيق، وامتدت الجيوش على النهر، وأحاطوا بسيف الدولة، فحمل عليهم، فلما ساواهم لوى رأس فرسه وقصد ناحية بالس، وساق وراءه ابن الشمشقيق في عشرين ألفا، فأنكى في أصحابه، وانهزمت الرعية الذين كانوا على النهر عندما انصرف سلطانهم، وأخذهم السيف، وازدحموا في الأبواب، وتعلق طائفة من السور بالحبال، وقتل منهم فوق الثلاثمائة، وقتل من الكبار أبو طالب بن داود بن حمدان وابنه وداود بن علي، وأسر كاتب سيف الدولة البياضي، وأبو نصر بن حسين بن حمدان.
وكان عسكر الملاعين ثمانين ألف فارس والسواد فلا يحصى. ثم تقدم من الغد منتصر حاجب الدمستق إلى السور، وقال: أخرجوا إلينا شيخين تعتمدون عليهما. فخرج شيخان إلى الدمستق فقربهما، وقال: إني أحببت أن أحقن دماءكم، فتخيروا إما أن تشتروا البلد أو تخرجوا عنه بأهلكم، وإنما كان ذلك حيلة منه، فاستأذناه في مشاورة الناس. فلما كان من الغد أتى الحاجب فقال: ليخرج إلينا عشرة منكم لنعرف ما عمل عليه أهل البلد. وكان رأي أهل البلد على الخروج بالأمان، فخرج العشرة وطلبوا الأمان ويدخل القوم. فقال الدمستق: صح ما بلغني عنكم؟ قالوا: وما هو؟ قال: بلغني أنكم قد أقمتم