الحاجة، وغسله الدولعي، وأخرج في تابوت، وصلى عليه القاضي محيي الدين ابن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضًا فيها. ودفن بالصفة الغربية منها. وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل يتخيل أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا.
وغشي الناس من البكاء والعويل ما شغلهم عن الصلاة، وصلى عليه الناس أرسالًا، وتأسف الناس عليه، حتى الفرنج، لما كان من صدق وفائه إذا عاهد. ثم بنى ولده الأفضل صاحب دمشق قبة شمالي الجامع، وهي التي شباكها القبلي إلى الكلاسة، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة اثنتين وتسعين، ومشى بين يدي تابوته. وأراد العلماء حمله على أعناقهم، فقال الأفضل: تكفيه أدعيتكم الصالحة. وحمله مماليكه، وأخرج إلى باب البريد، فصلي عليه قدام النسر. وتقدم في الإمامة القاضي محيي الدين بإذن ولده. ودخل الأفضل لحده وأودعه وخرج، وسد الباب، وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيام، وذلك خلاف العادة، وخلاف السنة.
كان رحمه الله كريمًا، جوادًا، بطلًا، شجاعًا، كامل العقل والقوى، شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه من اليمن إلى الموصل، إلى أوائل الغرب، إلى أسوان.
وفي الروضتين لأبي شامة أن السلطان رحمه الله لم يخلف في خزائنه من الذهب والفضة إلا سبعةً وأربعين درهمًا، ودينارًا واحدًا صوريًا. ولم يخلف ملكًا ولا عقارًا، وخلف سبعة عشر ولدًا ذكرًا، وابنة صغيرة.
ومن إنشاء العماد الكاتب إلى الخليفة على لسان الأفضل: أصدر العبد هذه الخدمة وصدره مشروح بالولاء، وقلبه مغمور بالضياء، ويده مرفوعة إلى السماء، ولسانه ناطق بالشكر والدعاء، وجنانه ثابت من المهابة والمحبة على الخوف والرجاء، وطرفه مغمض من الحياء. وهو للأرض مقبل، وللفرض متقبل، يمت بما قدمه من الخدمات، وذخره ذخر الأقوات لهذه الأوقات، وقد أحاطت العلوم الشريفة بأن الوالد السعيد الشهيد الشديد السديد المبيد للشرك المبير، لم يزل مستقيمًا على جديد الجد، ومصر بل الأمصار باجتهاده في