للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني محتويات الكتاب وأسس انتقاء مادته]

[طبيعة الحوادث وأسس انتقائها]

واجه الذهبيُّ مادةً كبيرة كان عليه أنْ ينتقي منها ما يراه مناسبًا لكتابه ولا سيما أنه اختصر في الحوادث كثيرًا قياسًا بالمادة الضخمة من التراجم التي أوردها في كتابه، فهل كانت لديه خطة معينة سار عليها في ذلك؟

الجواب: إنه انتقى ما رآه في نظره مُهمًّا حريًّا بالذكر جديرًا بالتدوين (١). ولكن ما هي موازينه في ذلك، وميزانُ أيِّ مؤرخٍ في وزنِ الأحداثِ يتصل اتصالًا وثيقًا بمفاهيمه، وينطلق من بيئته ونوعية ثقافته، وهما اللذان بدورهما يكونان مزاجه الذي يحمله على ذكر حدثٍ تاريخي وإهمالِ آخر، والإسهاب في جوانب معينة والاختصار في جوانب أخرى؟

لقد اعتبر الذهبيُّ، مثلَ غيرهِ من المؤرخين المسلمين المتدينين، أن أساسَ الدولة الإسلامية ونموذجها الأعلى يتمثل في حكومةِ الرسولِ في المدينة (٢)، ولذلك أوْلَى الفترةَ المدنيةَ اهتمامًا عظيمًا وفصَّلَ في حوادثها تفصيلًا لا نجده إلا في التواريخ المتخصصة بحيث احتلت السنوات العشر التي قضاها الرسول في المدينة مجلدًا كاملًا من تاريخه هو المجلد الأول. وعني بعد ذلك بذكر أخبار حروب الردة وتكوين الأمة الإسلامية وحركة الفتوح والمساهمين فيها باعتبارهم المثل الأعلى للمجاهدين المسلمين، ولذلك احتلت هذه الفترة الزمانية القصيرة التي لا تتجاوز ٥% من نطاق كتابه الزماني قرابة ثلث الحوادث المذكورة في جميع الكتاب.


(١) لقد اعتبر الذهبي التاريخَ من العلوم النافعة واستعاذَ بالله من علمٍ لا ينفع، وأكد ضرورةَ الاطلاع على "المهم" منه، قال في المقدمة واصفًا كتابه: "يعرف به الإنسان مهم ما مضى من التاريخ" ١/ ٥ (من طبعتنا).
(٢) يدخل ضمن ذلك بالطبع أهمية حكومة الرسول وأعمالها في دراسة الفقه الإسلامي باعتبارها من الأسس التي يقوم عليها الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>