واعتذر، فأجمع على الرجوع، فقال له أبو إسحاق أحد قواده متمثلاً:
ما للرجال مع القضاء محالة ذهب القضاء بحيلة الأقوام
خار الله لك، احفظ عني واحدة: إذا دخلت إلى المنصور فاقتله ثم بايع من شئت فإن الناس لا يخالفونك.
وروى بعضهم أن المنصور كتب إلى موسى بن كعب بولاية خراسان، وكتب إلى أبي مسلم: هذا ابن كعب من دونك بمن معه من شعيتنا وأنا موجه للقائك أقرانك فاجمع كيدك غير موفق وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل، فشاور أبو مسلم أبا إسحاق المروزي وقال: ما الرأي؟ فهذا موسى بن كعب من هنا، وهذه سيوف أبي جعفر من خلفنا، وقد أنكرت من كنت أثق به من قوادي، فقال: هذا رجل يضطغن عليك أموراً قديمة فلو كنت واليت رجلاً من آل علي كان أقرب، ولو أنك قبلت إمرة خراسان منه كنت في فسحة من أمرك وكنت اختلست رجلاً من ولد فاطمة فنصبته إماماً فاستملت به الخراسانية وأهل العراق ورميت أبا جعفر بنظيره لكنت على طريق التدبير، أتطمع أن تحارب أبا جعفر وأنت بحلوان وجيشه بالمدائن، وهو خليفة مجمع عليه، ليس ما ظننت لكن ما بقي لك إلا أن تكتب إلى قوادك وتفعل كذا وكذا، قال: هذا رأي إن وافقنا عليه قوادنا، قال: فما دعاك إلى أن تخلع أبا جعفر وأنت على غير ثقة من قوادك! أنا أستودعك الله من قتيل، أرى أن توجه إلى أبي جعفر تسأله الأمان فإما صفح وإما قتل على عز قبل أن ترى المذلة من عسكرك، إما قتلوك وإما أسلموك.
قال: فسفرت السفراء بينهما، وأعطاه أبو جعفر أماناً مؤكداً، فأقبل أبو مسلم لحينه، ثم بعث المنصور أميراً إلى أبي مسلم ليتلقاه ولا يظهر أنه من جهة المنصور ليطمئنه ويذكر حسن نية الخليفة له، فلما أتاه وحدثه فرح المغرور وانخدع، فلما وصل المدائن أمر المنصور الأعيان فتلقوه، فلما دخل عليه سلم قائماً، فقال المنصور: انصرف يا عبد الرحمن فاسترح وادخل الحمام، ثم اغد علي، فانصرف، وكان من نية المنصور أن يقتله تلك الليلة فمنعه وزيره أبو أيوب، قال أبو أيوب: فدخلت بعد خروجه وقال لي المنصور: أقدر على هذا في مثل هذه الحال قائماً على رجليه ولا أدري ما