إلا رجلاً. لا تعمل عمل النّساء. وأوصاني بأهله وأولاده، ثمّ قمت في اللّيلة في حاجة، فحدّثني بعضُ من تركته عنده من أهله أنّه أفاق مرعوباً فقال: بالله تقدَّموا إلي فإني أجد وحشة. فسُئل: ممَّ ذلك؟ فقال: أرى صفّاً عن يميني فيهم أبو بكر وسعد وصُورهم جميلة، وثيابهم بيض، وصفّاً عن يساري صُورهم قبيحة فيهم أبدان بلا رؤوس، وهؤلاء يطلبوني، وهؤلاء يطلبوني، وأنا أريد أروح إلى أهل اليمين. وكلّما قال لي أهل الشّمال مقالتهم قلت: والله ما أجيء إليكم، خلوني، ثمّ أغفى عنه إغفاءةً، ثم استيقظ وقال: الحمد لله خلصت منهم.
قلت: وذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء وجلس عنده. ثم قال: ما بقي في رجاء، وقال لابنه شهاب الدّين غازي: تهيأ في تجهيزي، فبكى فثبته وقال: لا تغيِّر هيئتك.
وتُوُفّي ليلة الثّامن والعشرين من جمادى الأولى. وركب السّلطان إلى البُوَيْضا، وأظهر التّأسُّف عليه والحُزْن، وقال: هذا كبيرنا وشيخنا. ثمّ حُمِل إلى تُربة والده بسفح قاسيون. وكانت أمّه خُوارزميّة عاشت بعده مدّة.
وكان جواداً مُمَدَّحاً. ولم يزل في نَكَدٍ وتعب لأنّه كان ضعيف الرّأي فيما يتعلّق بالمملكة. وكان مُعْتنياً بتحصيل الكُتُب النّفيسة، وتفرَّقت بعد موته، وقد وفد عليه راجح الحِلّي الشّاعر وامتدحه، فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم، أعطاه على قصيدةٍ واحدةٍ ألفَ دينار. وأقام عنده الخُسْروشاهي، فوصله بأموالٍ جمَّة.
قال أبو شامة: تملك الناصر دمشق بعد أبيه نحواً من سنة، ثمّ اقتصر له على الكَرَك وأعماله. ثمّ سُلِبَ ذلك كلّه - كما سُلِبه الإسكندر بن فيلبّس - وصار متنقّلاً في البلاد، موكَّلاً عليه، وتارةً في البراري إلى أن مات موكَّلاً عليه بالبُوَيْضا قِبْلِي دمشق، وكانت لعمّه مُجير الدّين ابن العادل. صُلِّي عليه عند باب النّصر، ودُفِن عند أبيه بدَيْر مُرَّان.
قلت: وقد روى عنه الدّمياطي حديثاً وقصيدة، فقال: أخبرنا العلاّمة الفاضل الملك الناّصر.