للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إن أبي كان شيخًا كبيرًا، وإنما قصد هذه الديار لأجل حج بيت المقدس وأنا الذي دبرت المُلك، فمن أطاعني وإلاّ قصدت بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع به ضرورة. وبالجملة قد عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأما الرّجّالة فلا يُحصون، وهم أجناس متفاوتة، وهم على سياسةٍ عظيمة، حتى أن من جنى منهم جناية قُتِل. ولقد جنى كبير منهم على غلامه فجاوز الحدَّ في ضربه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم خلقٌ، فلم يلتفت إلى ذلك وذبحه. وقد حرّموا الملاذَّ على أنفسهم، ولم يلبسوا إلا الحديد، وهم من الصبر على الذل والتعب والشقاء على حالٍ عظيم. انتهى الكتاب.

فلما هلك ملكهم سار بهم ولده إلى أنطاكية، وعمهم المرض، وصار معظمهم حملة عصي وركاب حمير. فتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسن لهم قصد حلب، فأبوا وطلبوا منه قلعته ليودعوا فيها الخزائن، فأخلاها لهم، ففاز بما وضعوه بها وجاءت فرقة من الألمانية إلى بغراس، وظنوا أنها للنصارى، ففتح واليها الباب، وخرج أصحابه فتسلموا صناديق أموال، وقتلوا كثيرًا منهم، ثم خرج جُند حلب وتلقطوهم. وكان الواحد يأسر جماعة، فهانوا في النفوس بعد الهيبة والرعب منهم، وبيعوا في الأسواق بأبخس ثمن.

قال ابن شداد: مرض ابن ملك الألمان مرضًا عظيمًا في بلاد ابن لاون، وأقام معه خمسة وعشرون فارسًا وأربعون داويًا، ونفذ عسكره نحو أنطاكية، حتى يقطعوا الطريق، ورتبهم ثلاث فرق لكثرتهم. فاجتازت فرقة تحت بغراس، فأخذ عسكر بغراس مع قلته مائتي رجلٍ منهم. وسار بعض عسكر البلاد لكشف أخبارهم، فوقعوا على فرقة منهم، فقتلوا وأسروا زُهاء خمس مائة.

وقال ابن شداد: حضرت من يخبر السّلطان عنهم ويقول: هم ضعفاء قليلو الخيل والعدة، وأكثر ثقلهم على حمير وخيل ضعيفة، ولم أر مع كثير منهم طارقة ولا رُمحًا، فسألتهم عن ذلك فقالوا: أقمنا بمرجٍ وخمٍ أيامًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>