احتدَّت والحاجة قد اشتدَّت، ويد الضلال قد امتدَّت، وظلمات الظلم قد اسودَّت، والجاهلية قد أخذت نهايتها وبلغت غايتها، فجاء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فملك عِنانها وكبت أعيانها، وظهرت آياته في الجبابرة، فهلكت فرسانها، وفي القياصرة فنكّست صلبانها، وفي الأكاسرة فصدّعت إيوانها، فأوضح على يده المحجّة وأبانها، صلى الله عليه وعلى آله فروع الأصل الطيب، فما أثبتها شجرة وأكرم أغصانها.
أيها الناس، خافوا الله تأمنوا في ضمان وعده الوفي، ولا تخافوا الخلق وإن كثروا، فإن الخوف منهم شركٌ خفي، ألا وإن من خاف الله، خاف منه كل شيء، ومن لم يخفِ الله خاف من كل شيء، وإنما يخاف عز الربوبية من عرف من نفسه ذُلّ العبودية، والاثنان لا يجتمعان في القلب، ولا تنعقد عليهما النية، فاختاروا لأنفسكم، إما الله وإما هذه الدنيا الدنية، فمن كانت الدنيا أكبر همه لم يزل مهموماً، ومن كانت زهرتها نصب عينه لم يزل مهزوماً، ومن كانت جِدّتها غاية وجده لم يزل معدماً حتى يصير معدوماً، فالله الله عباد الله، الاعتبار الاعتبار، فأنتم السعداء إذا وعظتم بالأغيار، أصلحوا ما فسد، فإن الفساد مقدمة الدمار، واسلكوا الجد تنجوا في الدنيا من العار، وفي الآخرة من النار، اتقوا الله وأصلحوا تفلحوا، وسلموا تَسلموا، وعلى التوبة صمموا واعزموا، فما أشقى من عقد التوبة بعد هذه العبر ثم حلها، ألا وإن ذنباً بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها.
توفي ابن المنير في مستهل ربيع الأول بالثغر.
١٥٧ - أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة، البجائي، المغربي، السلطان الدّعّي، الذي قال: أنا ابن الواثق بالله أبي زكري يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الهنتاتي؛ واسمي الفضل.
ومن خبره أنه سار في جيش وقصد تونس، وتوثب على صاحبها المجاهد أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى الهنتاتي وظفر به، فقبض عليه، ثم ذبحه صبراً وغلب على إفريقية، وتسمىّ بأمير المؤمنين، وقام بالوقاحة، وتم أمره، وعرف الناس أنه زَغَل.