وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: الق عبد الملك، فأتيته فقلت لغلامه: استأذن لي، فسمعت صوته: ادخل، فدخلت، فإذا خوانٌ بين يديه عليه ثلاثة أقرصة وقصعة فيها ثريد، فقال: كل، فما منعني من الأكل إلا الإبقاء عليه، فاعتللت بشيء، فلما فرغ دعا غلامه وأعطاه فلوسا، فقال: جئنا بعنبٍ، فجاء بشيءٍ صالح، وكان عمر منع من العصير، فرخص العنب، فقال: إن كان منعك الإبقاء علينا فكل من هذا فإنه رخيص، قلت: من أين معاشك؟ قال: أرضٌ لي أستدين عليها، قلت: فلعلك تستدين من رجلٍ يشق عليه وهو يحتمل ذلك لمكانك؟ قال: لا، إنما هي دراهم لصاحبتي استقرضتها، قلت: أفلا أكلم أمير المؤمنين يجري عليك رزقا؟ فأبى ذلك وقال: والله ما يسرني أن أمير المؤمنين أجرى علي شيئا من صلب ماله دون إخوتي الصغار، فكيف يجري علي من فيء المسلمين.
وقال فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران: إن عمر بن عبد العزيز قال له: إن ابني عبد الملك آثر ولدي عندي، وقد زين علي علمي بفضله، فاستثره لي ثم ائتني بعلمه وعقله. فأتيته، فجاء غلامه فقال: قد أخلينا الحمام. فقلت: الحمام لك؟ قال: لا. قلت: فما دعاك إلى أن تطرد عنه غاشيته وتدخل وحدك فتكسر على الحمامي غلته، ويرجع من جاءه متعنيا! قال: أما صاحب الحمام فإني أرضيه. قلت: هذه نفقة سرفٍ يخالطها كبرٌ. قال: يمنعني أن الرعاع يدخلون بغير إزار وكرهت أدبهم على الأزر، فقد وعظتني موعظة انتفعت بها فاجعل لي من هذا فرجا. فقلت: ادخل ليلا، فقال: لا جرم، لا أدخله نهارا ولولا شدة برد بلادنا ما دخلته، فأقسمت عليك لتكتمن هذه عن أبي فإني معتبك. قلت: فإن سألني؛ هل رأيت منه شيئا، أتأمرني أن أكذب؟ وإنما أبغي عقله مع ورعه، فقال: معاذ الله، ولكن قل: رأيت عيبا ففطنته له، فأسرع إلى ما أحببت، فإنه لن يسألك عن التفسير، لأن الله قد أعاذه من بحث ما ستر الله.
وقال يعلى بن الحارث المحاربي: سمعت سليمان بن حبيب المحاربي قال: جلست مع عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فقلت: هل خصك أمير المؤمنين أو جعل لك مطبخا أو كذا؟ فقال: إني في كفاية، ويحك يا سليمان! إن الله قد أحسن إلى أمير المؤمنين، وتولاه فأحسن معونته