الصِّدْق. قلت: نعم. قال: أسألك عن خلفاء بني العبّاس في أخلاقهم وشيمتهم.
قلت: أما السّفّاح، فكان مسارعاً إلى سفْك الدّماء. سفك ألف دم. واتَّبعه عُمّاله على ذلك، مثل محمد بن الأشعث بالمغرب، وعمه صالح بن علي بمصر، وخازم بن خُزَيْمَة، وحُمَيْد بن قَحْطَبَة. وكان مع ذلك سمْحاً بحراً، وَصولاً بالمال.
قال: فالمنصور؟ قلت: كان أول مَن أوقع الفُرْقة بين ولد العبّاس وولد أبي طالب. وكانوا قبله متّفقين. وهو أوّل خليفة قرّب المنجّمين وعمل بقَولهم. وكان عنده نُوبَخْت المنجّم، وعلي بن عيسى الأصْطرلابيّ. وهو أول خليفة تُرْجِمت له الكُتُب السُّرْيانيّة والأعجميّة ككتاب كليلة ودِمْنَة، وكتاب أرسطاطاليس في المنطق، وإقليدس، وكُتُب اليونان. فنظر النّاس فيها وتعلّقوا بها. فلمّا رأى ذلك محمد بن إسحاق جمع المغازي والسّيَر. والمنصور أوّل من استعمل مواليه وقدّمهم على العرب.
قال: فما تقول في المهديّ؟ قلت: كان جواداً عادلاً منصِفاً. ردَّ ما أخذ أبوه مِن أموال النّاس غصْباً، وبالغ في إتلاف الزّنادقة وأحرق كُتُبهم لمّا أظهروا المعتقدات الفاسدة كابن دَيْصان، وماني، وابن المقفّع، وحمّاد عَجْرَد. وبنى المسجدَ الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس.
قال: فالهادي؟ قلت: كان جبّاراً متكبّراً، فسلك عُمّاله طريقَه على قِصَر أيّامه.
قال: فالرّشيد؟ قلت: كان مواظباً على الجهاد والحجَ، وعَمَّر القصور والبِرَك بطريق مكّة، وبنى الثغور كأذنة، وطرسوس، والمَصِيصة، وعين زَربة، والحَدَث، ومَرْعَش. وعَمّ النّاس إحسانُه. وكان في إيامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم. وهو أول خليفة لعب بالصوالجة ورمى النّشّاب في البرجاس، ولعب بالشَّطَرَنْج من بني العباّس. وكانت زوجته بنت عمّه أمّ جعفر زُبَيْدة بنت جعفر ابن المنصور من أكمل النّساء. وَقَفَت الأوقاف وعملت المصانع والبِرَك، وفعلت وفعلت.